مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٥١
في وضع يختلف عما هو عليه في الواقع، ومن هنا فان فكرة الجوهر اللامتناهي قد تتحقق عند أرسطاطاليس وإلى حد ما، في جو يقرب من المثل الأفلاطونية، على حين أن الكندي لم يلجأ إلى هذا التصور الجزئي المثالي، وأمن بعالم الأجسام المتناهية وارتباطها بالحركة والزمان والمكان...
ولكن كيف يوضح الكندي، في نظريته عن الله والعالم، أنه لا يمكن أن يكون جرم لا نهاية له. يبرهن على هذا بنصه: أنه إن أمكن أن يكون جرم لا نهاية له، فقد يمكن أن يتوهم منه جرم محدود الشكل متناه، وإذا توهم من الجرم اللامتناهي آخر محدودا، فقد يقال: هل هذا الجسم المحدود هو متناه أم لا متناه، فان كان هذا الجسم المحدود متناه فان الجملة ستكون متناهية، ذلك لأن الاعظام التي يعتبر كل واحد منها متناه تكون جملتها متناهية، ومن المستحيل، حسب برهنة الكندي، أن يكون الجرم لا متناهيا ومتناهيا.
لم يشن الكندي، حينما يقول بتناهي الجرم، أن يثبت في نظريته عن الله والعالم، كيف أن الله، وهو الفاعل الحق، وغاية كل علة، يستطيع وحده ايجاد الموجودات عن عدم. أنه المبدع الذي لا يتأثر بجنس من أجناس التأثر، أنه وهو الفاعل لا يقبل، كمخلوقاته، أن ينفعل بته. وقد يقرب الكندي، حينما يناقش طبيعة الفعل والانفعال، من الغزالي. يقول الكندي: أن الفاعل الحق الأول لا ينفعل بتة وأما ما دونه أعني جميع خلقه، فإنها تسمى فاعلات بالمجاز، لا بالحقيقة أعني انها كلها منفعلة بالحقيقة. وهو يقدر بهذا أن الفلك الأعلى هو المفعول الأول، وأنه باختلاف حركات ما فيه من إجرام متحركة على أنحاء معينة، يفعل فيما دونه، ويعتبر هذا الفلك مبدعا، أبدعه خالقه ومنشئه، أي أبدعه الله الذي هو العلة المباشرة أو غير المباشرة لكل ما يقع في الكون. يرى الكندي أن الأول ينفعل عن البارئ وينفعل عن هذا ثان، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى المنفعل الأخير منها. أن المنفعل الأول يسمى فاعلا بالمجاز للمنفعل عنه، لأنه علة انفعاله القريبة، وكذلك الثاني، إذ هو علة الثالث القريبة في انفعاله حتى ينتهي إلى آخر المفعولات. ويختم الكندي هذه البرهنة التي قد توهم بتأثير افلوطوني، والتي قد تبدو واضحة عند الفارابي فيما بعد، إلى أن الله، أي البارئ تعالى هو العلة الأولى لجميع المفعولات التي بتوسط، والتي بغير توسط، بالحقيقة، لأنه فاعل لا منفعل بتة، إلا أنه علة قريبة للمنفعل الأول، وعلة بتوسط لما بعد المنفعل الأول من مفعولاته.
ان الظواهر المحسوسة لتدل، كما يرى الكندي، أوضح دلالة على وجود هذا الفاعل الحق المدبر، هذا الموجود الذي لم يكتسب وجوده من شئ خارجي عنه، والذي يعده الكندي الواحد العي، والعلة الأولى التي لا تقبل التكثر بحال من الأحوال. أنه كما يقول في نصه: العلة الفاعلة التي لا فاعل لها، المتممة التي لا متمم لها، وانه هو الذي يجعل الأشياء تقبل العلل والأسباب. وقد رمزت الطبيعة في جميع الأشياء بان علة الكل واحد حق، هذا الواحد المحجوبة عنه الأعين الجثمانية، الذي هو تام وكامل، لا يلحقه النقص والانفصال بجهة من الجهات.
والكندي الذي يرى، في نظريته عن الله والعالم، أن الواحد الحق تام وكامل، يبرهن على أن الجرم وكل محمول فيه هو متناه، أنه يقبل الحركة والكم والمكان والزمان. والعلاقة كائنة عند الكندي بين الجرم، الذي يحده بأنه جوهر طويل عريض عميق، ذو ابعاد ثلاثة. مركب من هيولى وصورة، وبين الاعظام المتجانسة. يرى الكندي أن الاعظام المتجانسة التي كل واحد منها متناه في جملتها متناهية. أنه لا يمكن أن يكون جرم لا نهاية له أعظم من جرم لا نهاية له، على حين أن كل عظيمين متجانسين، ليس أحدهما أعظم من الآخر، متساويان. ويخلص الكندي من هذا إلى أن جرم الكل، أي العالم، ليس يمكن أن يكون لا نهاية له بل هو متناه.
وإذ يحاول الكندي إقامة الدليل على فكرة التناهي يقول: قد يظن أنه يمكن أن يكون جرم الكل كان ساكنا أولا وكان ممكنا أن يتحرك ثم تحرك، وهذا ظن كاذب بالضرورة، لأن جرم الكل، أي العالم، إن كان ساكنا أولا ثم تحرك، فلا يخلو أن يكون جرم الكل موجودا بعد عدم، أي كما جاء في نص الكندي، كونا عن ليس، أو يكون قديما. فان كونا عن ليس، فان وجوده قد اكتسب إذن الكون عن طريق الحركة، وإذا لم يسبق الجرم الكون كان الكون ذاته، فاذن لم يسبق كون الجرم الحركة بتة. وقد قيل أن جرم الكل كان أولا ولا حركة، وهذا ما لا يقبله الكندي، لأنه إن كان جرم الكل موجودا عن عدم، كونا عن ليس، فإنه ليس يمكن أن يسبق الحركة. وإذا كان الجرم لم يزل ساكنا، أي قديما، ثم تحرك لأنه كان ممكنا له أن يتحرك، فقد استحال إذن جرم الكل القديم من السكون بالفعل إلى الحركة بالفعل، والقديم، كما نعرف، لا يقبل أن ينعت بلفظه الاستحالة، فهو إذن مستحيل لا مستحيل، وهذا خلف لا يمكن. ويخلص الكندي من هذه البرهنة الأصيلة على أنه ليس يمكن أن يكون جرم الكل قديما أي لم يزل ساكنا بالفعل، ثم قبل أن يتحرك بالفعل، لأنه إذا كانت الحركة فيه موجودة، فهو لم يسبق الحركة بتة. ويختم الكندي هذه البرهنة في نص مشرق جميل: إن كانت حركة كان جرم اضطرارا، وإن كان جرم كانت حركة اضطرارا، فمدة الجرم اللازمة للجرم ابدا تعدها حركة الجرم اللازمة للجرم ابدا، فالجرم لا يسبق الزمان ابدا، فالجرم والحركة والزمان لا يسبق بعضها ابدا. وفكرة التناهي هذه في الجرم هي التي تميز نظرية الحدوث عند الكندي، بالأصالة، وتجعلها ذات طابع يختلف عن الفلسفة الايونية والطبيعية، وعن أستاذه أرسطاطاليس.
أن الجرم المتناهي الذي يقبل التبدل، عن طريق الحركة المكانية، بالقرب من مركزه أو البعد منه، يوصف عند الكندي بأنه مركب، لا يمكن تصوره منفصلا عن الحركة والزمان، لا يقبل الأزلية بحال من الأحوال، أنه محدث له خالقه ومحدثه. أن الجرم والحركة والزمان، كما يؤكد الكندي في كل نص ومناسبة، لا يسبق بعضها بعضا في الآنية، فهي معا، فإذا كان الجرم لا يسبق مدة تعدها الحركة، وإذا كان الزمان ذا نهاية بالفعل، فانية الجرم ذات نهاية بالفعل اضطرارا. ومن هنا فقد أثبتت نظرية الله والعالم عند الكندي، حدوث العالم، زواله ونهايته، كما إنها أكدت خلود الله المحدث، لا نهائيته وأبديته...
حينما يحاول أرسطاطاليس أن يناقش كما سيفعل الكندي في تصوره للعالم، مبحث الزمان، من حيث عنصر، جوهر، متحرك من نقطة بداية إلى نهاية، انه ينتسب إلى المقدار، حينما يحاول أن يفعل هذا فإنه يربطه، كما سيكون الحال عند الكندي، بالحركة التي تخضع للاتصال اننا نعرف الزمان حينما نحدد الحركة باستعمال لفظتي التقدم والتأخر، ولا نشير إلى هذا الزمان
(٣٥١)
مفاتيح البحث: الظنّ (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370