مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٧٣
فقتلوا حوالي ثلاثين منهم وأسروا بعضهم. ثم يقول: وعهد أي الإسكندر الاشراف على الأعمال إلى اثنين من قواده وزحف بقسم من الجيش إلى بلاد العرب.
وكلام هذا المؤرخ يؤيد ما ورد من قبل من قتل العامليين ثلاثين رجلا من جيش الإسكندر، ويزيد على ذلك أنهم أسروا بعض الأسرى.
إذن فان بني عاملة لم يقفوا متفرجين على حصار الإسكندر لصور بل تحدوا الفاتح الكبير، وكانت حصيلة هذا التحدي قتلا في رجاله وأسرا لهم.
وكان من الطبيعي أن لا يسكت الإسكندر، لهذا نراه يقود حملة على العامليين انتقاما لقتلاه وأسراه. ويدلنا على عظم خطر بني عاملة يومذاك أن الإسكندر لم يعهد في قيادة تلك الحملة إلى بعض قواده بل قادها بنفسه.
وهكذا تبين أن هجرة بني عاملة إلى هذا الجبل تعود إلى ما قبل سنة 332 قبل الميلاد، إذ أن حصار الإسكندر لصور كان في هذه السنة، وكانوا هم موجودين في جبلهم في هذا التاريخ. ولكن لم يتبين لنا وسنظل نجهل: إلى أي مدى من الزمن يمتد تاريخ هذه الهجرة قبل سنة 332.
قلت فيما تقدم أن هجرة بني عاملة من اليمن لم تكن الهجرة الوحيدة، بل كانت معها هجرات لقبائل أخرى وعددت منهم بني قيلة واللخميين والغساسنة، وأقول الآن أنه كان لكل من هذه القبائل الثلاث ذكر متواصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، فقد سيطر بنو قيلة الأوس والخزرج على المدينة ثم دخلوا في صراع مع اليهود المتحكمين اقتصاديا فيها، ثم كانوا أول المجيبين للدعوة الاسلامية، وبرجالهم قامت معركة بدر الحاسمة في تاريخ الاسلام. كما قام في اللخميين ملوك يخضعون للسيطرة الفارسية، كان لهم شعراؤهم الوافدون عليهم. وكذلك الحال في الغساسنة الذين خضع ملوكهم للسيطرة الرومية ووفد عليهم الشعراء، وحسب الأولين النابغة الذبياني واعتذارياته للنعمان، وحسب الآخرين حسان بن ثابت الذي يقول فيهم:
لله در عصابة نادمتهم * يوما بجلق في الزمان الأول بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شم الأنوف من الطراز الأول أبناء جفنة حول قبر أبيهم * قبر ابن مارية المعم المخول أما بنو عاملة فقد انقطعت أخبارهم قبل الاسلام، لولا هذا الذي ذكره السمعاني في كتاب الأنساب عن الظرب بن حسان بن أذينة العاملي: أنه كان ملك العرب وقت كان ملك الفرس سابور.
وهذا يدل على أنه كان للعامليين ملوك مما كان للمناذرة، والغساسنة، وأن ملوكهم انوا يسمون ملوك العرب. ويبدو أن قرب الغساسنة من دمشق وقرب المناذرة من المدائن عاصمة الفرس حفظا أخبار القبيلتين، وان انقطاع العامليين في جبالهم أضاع أخبارهم.
وورد ذكر بني عاملة عرضا في الحديث عن غزوة تبوك حين جمع الروم جموعهم بقيادة هرقل، إذ ذكر المؤرخون أن هرقل أجلب معه لخم وجذام وعاملة وغسان.
وجاء الاسلام وقامت الدولة الأموية في دمشق فإذا بشاعر عاملي ينحدر من تلك القرى الجبلية البعيدة ينحدر إلى دمشق فيقتحم بلاط الأمويين مستعدا لمنافسة الثلاثي المخيف: جرير والفرزدق والأخطل، فيثير هذا الاقتحام الشاعر جريرا فيهزأ بهذا القروي الجبلي ويصمم على أن يضربه من أول لقاء ضربة قاضية ترده إلى قريته في جبال بني عاملة فلا يجرؤ على منافسة المتفوقين، فصرخ جرير في وجه عدي بن الرقاع العاملي ببيت من الشعر تقضي الكياسة بان لا نذكر إلا صدره. صرخ جرير قائلا: يقصر باع العاملي عن العلى، فإذا بالعاملي يصرخ في وجه جرير بصوت أعلى ببيت من الشعر تقضي الكياسة أيضا بان لا نذكر إلا عجزه: أنت امرؤ لم تدر كيف تقول فيبهت جرير ويعترف بالهزيمة فيجيب: بل أنا امرؤ لم أدر كيف أقول.
ومنذ تلك الساعة يصبح عدي بن الرقاع العاملي المنافس الخطير للذين ظنوا أن لا منافس لهم.
وتتتالى الأسماء العاملية في العصور الاسلامية المختلفة في شتى ميادين السياسة والعلم والأدب والشعر والحكمة، فنسمع بأسماء بكار بن هلال العاملي وشهاب بن إبراهيم العاملي وهمامة بن معقل العاملي وقبيس العاملي وأبو سلمة الحكم العاملي إلى عشرات أمثالهم في كل عصر. ثم نسمع أسماء أخرى منسوبة لا إلى الجبل وحده بل إلى قرى فيه مثل: علي الصائغ الجزيني العاملي وأبو معن الصرفندي العاملي وطومان المناري العاملي والشيخ حسين التبنيني العاملي والشيخ إبراهيم البازوري العاملي وغيرهم.
وتظل العصور تتوالى وتظل كلمة العاملي تتوالى حتى تجيء السنة 1501 فإذا بهبة عاملية كبرى تهب على الدنيا، فقد دعي العامليون إلى المعاونة في تأسيس الدولة الصفوية الناشئة في إيران، إذ أن تلك الدولة قامت أول ما قامت على السيطرة العسكرية البحتة وكانت في أمس الحاجة إلى رجال العلم والفكر يدعمون قيامها وينشرون دعوتها، فوجدت بغيتها في جبل عامل الذي كان يغص بمثل هؤلاء الرجال فاستدعتهم واحدا بعد الآخر فاقبلوا إليها مغتبطين بهذا الاستدعاء وذهب بعضهم بدون استدعاء لأن مجال العمل العلمي الثقافي في جبلهم كان محدودا، ولأنهم أحيانا كانوا يعيشون في خوف لا ينتهي بعد أن استشهد اثنان من أكابرهم في فترتين متباعدتين. وكانوا حيث حلوا لا يتخلون عن الانتساب إلى جبلهم، فكان اسم الواحد منهم يقرن دائما بلقب العاملي، فإذا بكلمة العاملي تتوج فيما تتوج اسم شيخ الاسلام في العاصمة قزوين، وهذا المنصب هو أرفع منصب علمي في المملكة. وإذا بكلمة العاملي أيضا تتوج اسم شيخ الاسلام في هرات بأفغانستان.
وإذا بكلمة العاملي فوق هذا في مرسوم يصدره الملك لتعيين هذا العاملي في منصب يجعله الرجل الثاني في الدولة بعد الملك، ويشير في هذا المرسوم إلى صلاحياته الواسعة ومنها: أن منصوبه لا يعزل ومعزوله لا ينصب.
وإذا بكلمة العاملي تتلقاك حيث اتجهت: في حلقات التدريس، في منابر المساجد، في صوامع المعابد، تحت عناوين الكتب، في إجابات المستفتين، في مجالس المتقاضين.
وإذا بهؤلاء العامليين النازحين من جبل عامل يقلبون الدنيا هناك رأسا على عقب ويحولون مجرى التاريخ ويحولون أمة بكاملها من رأي إلى رأي فتنقاد إليهم الجماهير آخذة بفكرتهم متمسكة بطريقتهم.
ثم لا تزال كلمة العاملي تمتد وتنتشر حتى تصل إلى الهند، فإذا بها مقرونة إلى اسم صاحب الصدارة العظمى في حيدرآباد عاصمة الدكن.
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370