والقصف، ولعل المرض بدأ يدب في أعضائه وعظامه، مما جعل ابن مرحب الطبيب ينصحه في أن يكف عن العبث، وكان قد شكا أمره إلى الطبيب. وقد انتهى كشاجم بعلل كثيرة، وأسقام مضنية، عبر عنها بقوله نادبا:
حان أن تستحي الأسقام من جسمي وتخزى!
لم تدع لي منه ما في * مثله لي متعزى حزت الأعضاء منه * كلها بالضر حزا فانا الجزء الذي من * لطفه لا يتجزأ وتبين لنا أن كشاجم ندم على شبابه الذي ضاع بين العبث والقصف، فقال ناصحا الشباب:
حلل الشبيبة مستعاره * فدع الصبا واهجر دياره!
لا يشغلنك عن العلى * خود تمنيك الزيارة ما الفخر أن يغدو الفتى * متشبعا ضخم الجزاره كلفا بشرب الراح، * مشغوفا بغزلان الستاره!
الفخر أن يشجي الفتى * أعداءه ويعز جاره!
ويروح إما للامارة * سعيه، أو للوزارة!
آثار كشاجم اتفق المؤرخون وكتاب السير، وجامعوا الأشعار والأخبار على أنه كان كاتبا يجيد الكتابة وأصولها، والخط وأصوله. وقد ترك وراءه منهجا للكتاب يحتذي كما قال:
ولقد سننت من الكتابة للورى طرقا فسيحه وفضضت من عذر المعاني الغر في اللغة الفصيحة وجعلت من كفي نصيبا لليراعة والصفيحة وقال أيضا:
وكم سننت رسوما غير مشكلة * كانت لمن أمها مسترشدا قبله وكان شاعرا، مفتخرا بشعره:
على أني نبي الشعر * قد جئت على فتره!
فلو أنصف حسادي * رأوني فوقهم قطره!
بغوا شاوي في الشعر * فما أن قطعوا شعره وقال أيضا:
فاستمع لي بقيت شامية الألفاظ حسنا، نجدية الأعراب بنت فكر كسوتها حلل الصدق فكادت تكون أم الكتاب!
وكان يقول الشعر، لأنه يجد فيه ترجمة فصيحة عن النفس، ولا يقوله تكسبا، ولا تعمدا:
ولئن شعرت لما تعمدت الهجاء ولا المديحه لكن وجدت الشعر للآداب ترجمة فصيحه وترك كشاجم وراءه كتاب ديوان شعر بمئة ورقة، كما حسبه النديم في فهرسته، وكان أديبا باحثا، فألف كتاب أدب النديم، وكتاب خصائص الطرب وكتاب الرسائل، وكتاب الطرديات في القصائد والأشعار، وكتاب كنز الكتاب.
وكان عالما باحثا، فترك وراءه كتبا منها كتاب البزيرة المعروف بكتاب النزه، وكتاب الطبيخ، وكتاب المصايد والمطارد. وكان جامعا، راويا، كثير الحفظ والرواية، آخذا بتلابيب الجدل وعلم الكلام. وقد ظهر راوية جدليا في كل مؤلفاته المذكورة. وكان منجما، كثير الاهتمام بالنجوم، وطوالعها، وأبراجها، وآلاتها المستحدثة، وقياساتها، وطبائعها. ففي معرض أبحاثه وأشعاره جاء على ذكرها، فوصفها، وتحدث عنها. وكان موسيقيا، مرهف الحس، يضرب على العود، ويجيد اللحن، وقد ألف في الطرب كتابا كما أشرنا إليه سابقا، وكان يلحن أشعاره ليغنيها المغنون والقيان، فمن قوله:
ونظمنا شعرا مليحا فغناه بلحن يحيى به الأمواتا وقوله:
فغنيت بالأوتار حتى لم أدع * نغما ولم أغفل لهن حسابا وألفتها فأغار ذاك على يدي * قلمي، وعاتبها عليه عتابا وقوله أيضا:
ثم استهلت فغنت وهي محسنة * في بعض أبيات قلته فيها ولم أزل دون ندماني مقترحا * شعري عليها، تغنيني وأسقيها وجملة القول كان كشاجم واسع المعرفة، كثير الاطلاع على علوم متعددة، أجاد التأليف في بعضها، وكان قد تعلم العربية على علي بن سليمان الأخفش الصغير النحوي، وأخذ الغريب عن أبي بكر الدقيشي، والفقه على الشافعيين الابراهيمين ابن أحمد المروزي، وابن جابر، وتأثر بالمدرسة الغنائية الحجازية، فاخذ لحن معبد، وابن سريج، والغريض، وجالس المنجمين، ونادمهم كيحيى بن علي المنجم، وتأثر بمذهب النوبختيين في التنجيم، فاخذ عن أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، واهتم بآلات النجوم، وأبراجها، ودرس علم الطبيخ، والتغذية وفوائدها ومضارها، متأثرا بالأطباء الذين ألفوا فيهما.
وأخذ الطب البشري عمن جالس من الأطباء المعروفين كإسحاق بن حنين، وثابت بن سنان وغيرهما من غير المشهورين كابن مرحب. وقرأ كتبهم الطبية، وكتب غيرهم ككتب بقراط، ويوحنا بن ماسويه، وابن الجزار ولا سيما زاد المسافر. على أن إهتمام كشاجم بالصيد والجوارح والحيوان، جعله يعني بالطب الحيواني، فكتب في البيطرة، وأشار إلى أمراض الطيور وعلاجها، وغير ذلك.
وقد جمع كشاجم علومه المتعددة، ومهاراته الكثيرة في كتب، منها معروف منشور، ومنها مجهول أو مفقود. أما الكتب المنشورة التي في حوزتنا فهي كتاب ديوان شعره (1)، كتاب المصايد والمطارد (2)، كتاب أدب النديم (3). وفي حوزتنا نسخة مصورة من مخطوط كتاب البزيرة المعروف بكتاب النزه (4).