افتخر بنسبة إلى محمد بن عبد الله القاضي، لا يهجو والده القاضي عبد الله، وأن أبا الفرج هذا هو أحمد بن محمود بن الحسين ولد كشاجم البكر.
أبو نصر بن أبي الفتح كشاجم، أو أبو النصر ذكرنا سابقا أن كشاجم لم يذكر في ديوانه سوى ولد واحد، وإن أشار إلى أنه كان له أصيبية. ونرجح أنه لم يعش منهم سوى اثنين أبي الفرج بكره، وأبي نصر. وأول مصدر ورد فيه ذكر أبي نصر هو نشوار المحاضرة لأبي علي التنوخي، وهو أيضا أقدم نص جاء على ذكره فيما عرفناه، وكان أبو نصر بن كشاجم، كاتب أبي علي الحسن بن أحمد القرمطي المعروف بالأعصم (1). وحين عاد الأعصم إلى دمشق غازيا سنة 360 ه استولى عليها، وقتل نائبها الفاطمي جعفر بن فلاح، ثم توجه إلى مصر سنة 361 ه. ثم عاد إلى بلاد الشام حيث استقر بالرملة حتى وافته المنية سنة 366 ه. ونرجح أن الأعصم الذي كان شاعرا، محبا للأدباء والشعراء، كان يقيم في داره بالرملة مجالس أدبية، وكان الشعراء يجيزون ما يقول، وكان ابن كشاجم، أبو نصر قد التحق به، فقربه وأدناه، وجعله كاتبه منذ عاد إلى بلاد الشام. ففي سنة 365 ه حسب رواية أبي علي التنوخي، كان أبو نصر بالرملة، يلازم الأعصم، كاتبه ونديمه أيضا. وكان للأعصم مجالس أدب يحضرها الأدباء والفقهاء والشعراء. وكان أبو نصر شاعرا، وكاتبا للأعصم، مما جعل بعض المؤرخين يخلطون بينه وبين أبيه كشاجم، فجعلوا كشاجم من وفيات عشر الستين، كما جعلوه كاتبا للقرمطي (2)! ولأهمية رواية أبي علي التنوخي 384 ه، وقربها من العصر الذي عاش فيه أبو نصر بن كشاجم، ننقلها كما وردت على لسان محمد بن عثمان الخرقي الفارقي الذي رواها بنفسه لأبي علي التنوخي في إحدى زياراته. قال محمد بن عثمان:
كنت بالرملة سنة ثلاثمائة وخمس وستين، وقد ورد إليها القرمطي أبو علي القصير الثياب، فاستدناني منه، وقربني إلى خدمته. فكنت ليلة عنده إذ حضر الفراشون بالشموع. فقال لأبي نصر بن كشاجم، وكان كاتبه: يا أبا نصر، ما يحضرك في صفة هذه الشموع؟، فقال: إنما نحضر مجلس السيد، لنسمع كلامه، ونستفيد من أدبه، فقال أبو علي القرمطي في الحال بديها:
ومجدولة مثل صدر القنا * تعرت، وباطنها مكتسي لها مقلة هي روح لها * وتاج على الرأس كالبرنس إذا غازلتها الصبا حركت * لسانا من الذهب الأملس وإن رنقت لنعاس عرا * وقطت من الرأس لم تنعس وتنتج في وقت تلقيحها * ضياء يجلي دجى الحندس فنحن من النور في أسعد * وتلك من النار في أنحس فقام أبو نصر بن كشاجم، وقبل الأرض بين يديه، وسأله أن يأذن له في إجازة الأبيات، فاذن له فقال:
وليلتنا هذه ليلة * تشاكل أشكال أقل يدس فيا ربة العود غني لنا * ويا حامل الكاس لا تجلس فتقدم بان يخلع عليه، وحملت إليه صلة سنية، وإلى كل الحاضرين.
وتناقل المؤرخون والباحثون القدماء هذه الرواية، فرواها ابن عساكر في تاريخه الكبير، وابن ظافر الأزدي في بدائعه، والكتبي في فواته، والمقريزي في نحله. أما ابن خلدون فقد أشار في تاريخه إلى أن كشاجم كان كاتبا للأعصم القرمطي، وقد اشتهر بخدمته للقرامطة، وقد خلط بينه وبين أبيه.
لعل أقدم من ذكر ولدي كشاجم، أو ذكر أن له ولدين هو الثعالبي في يتيمة الدهر كما ذكرنا سابقا.
وكان أبو نصر، مثل أبيه كشاجم، يرتحل في ربوع الشام ومصر، ولعل أبا نصر وأبا الفرج كانا مع والدهما كشاجم بمصر أيام القاضي عبد الله بن محمد بن الخصيب، قاضي الإخشيدية وكافور. وقد روى ابن حجر العسقلاني في كتابه رفع الإصر عن قضاة مصر، مقطوعتين لابن كشاجم، دون أن يسميه في هجاء القاضي عبد الله بن محمد بن الخصيب. وقد رجعنا سابقا أن يكون أبو نصر هو الذي هجا القاضي، لا أخوه أبو الفرج، إذ كان أبو الفرج معجبا بابن عبد الله محمد القاضي بعد أبيه، وكان بينهما تشابه سماه أبو الفرج نسبا. أما الجامع المشترك بينهما، أو النسب فهو في شدة الاحساس في اللمس لذلك استبعدنا هجاءه لأبي زميله.
وفي مصر، التقى أبو نصر وزير كافور أبا الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات المعروف بابن حنزابه، وحين علم أن أبا الفضل يهم في الخروج إلى متنزهه (3) بالمقس، كتب إليه بيتين بماء الذهب على تفاحة حمراء! وأنفذها إلى الوزير المذكور، جاء فيهما:
إذا الوزير تجلى للنيل في الأوقات فقد أتاه سمياه جعفر بن الفرات وتبين لنا أن الوالد كشاجم مات بمصر، ولما مات هجاه محمد بن هارون بن الأكتمي المصري، كما هجا ابنيه أبا نصر وأبا الفرج، بقوله:
يا ابني كشاجم أنتما * مستعملان مجربان!
مات المشوم أبوكما * فخلفتماه على المكان وقرنتما في عصرنا * ففعلتما فعل القران لغلاء أسعار الطعام * وميتة الملك الهجان!