وأننا لننشر مع هذه الترجمة مقالا له بعنوان اللغة العربية والعصر لنعطي صورة عن تفكيره وأسلوبه، مما يكمل ترجمته:
بدأ عصر يقظة اللغة العربية الأخيرة في أواسط القرن الثالث عشر للهجرة النبوية الجليلة، وكان عصر اليقظة هذه موافقا للثلث الأول من القرن التاسع عشر للميلاد، بدأ ذلكم العصر في مصر بترجمة الكتب الإفرنجية العلمية والتاريخية والاجتماعية والفلسفية إلى اللغة العربية ككتاب منتهى الأغراض في علم شفاء الأمراض من تأليف بروسيه وسانسون الطبيبين الفرنسيين الكبيرين، وترجمة يوحنا عنحوري، وقد طبع ببولاق سنة 1250 ه، 1835 م. وكتاب ضياء النيرين في مداواة العينين من تأليف لورانس أحد أطباء العيون الإنكليز، وترجمة أحمد حسن الرشيدي، وكتاب مطلع شموس السير في كرلوس الثاني عشر من تأليف فولتير الكاتب الفرنسي الكبير الشهير وترجمة محمد أفندي مصطفى البياع أحد خريجي مدرسة الألسن، وقد طبع ببولاق سنة 1257 ه 1842 م وهو تاريخ كرلوس الثاني عشر ملك السويد 1697 1718 وكتاب الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر تأليف فولتير أيضا، ونقل أحمد عبيد الطهطاوي، وإتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في أوروبا من تأليف روبرتسون أحد المؤرخين الإنكليز، نقله من الفرنسية إلى العربية خليفة محمود، أحد خريجي مدرسة الألسن أيضا، والدراسة الأولية في الجغرافية الطبيعية من تأليف فيلكس لامروس، أحد العلماء الفرنسيين، نقله من الفرنسية إلى العربية أحمد حسن الرشيدي المقدم ذكره آنفا، والجغرافية العمومية من تأليف مالت برن من العلماء الفرنسيين، نقله من الفرنسية إلى العربية رفاعة رافع الطهطاوي، وتنوير المشرق بعلم المنطق من تصنيف دومارسية، ونقل خليفة محمود المذكور في الكلام على اتحاف الملوك.
ولا أود أن أرسل عنان القلم لذكر أسماء الكتب المترجمة غير التي ذكرت خشية الاسام والإملال، ففي كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية تبيان لها ولموضوعاتها المختلفة (1)، فقد شمل النقل عامة العلوم حتى الطب البيطري، وقد سماه المترجم علم البيطرية. وكان المترجمون من الشاميين والمصريين، ولم تكن الثقة بعباراتهم كاملة، فندب لتصحيح ترجمتهم وتحريرها، شيوخ أزهريون، ولم نعلم كيف كان هؤلاء الشيوخ الفضلاء يزاولون التصحيح والتحرير، فان الاصلاح اللغوي لترجمة الكتب العلمية والكتب الفنية ينبغي له أن يكون مبنيا على حفظ مقاصد المؤلف ومعانيه، قبل كل شئ، يقول الشيخ مصطفى حسن كساب محرر الكتب المترجمة في مدرسة الطب البيطري، في تصدير أحدها: وقد سميت هذا الكتاب روضة الأذكيا في علم الفسيولوجيا. ويقول في تقديم كتاب آخر في هذا العلم: فجاءت يعني الرسالة بعون الله مرتبة المباني، مهذبة المعاني وسميتها البهجة السنية في أعمار الحيوانات الأهلية (2).
ومذ ذلك العصر اتصل الغرب بالشرق، اتصالا علميا وكانت النهضة العلمية الغربية قوية كالغارة الشعواء، والتقدم العلمي كالسيل الجارف، فكثرت المخترعات كثرة هائلة، ووفرت المبتدعات وفارة طائلة (3)، وتنوع نتاج العقول، واختلفت ألوان المعقول، وتفتقت الأذهان عن علوم وفنون عجيبة غريبة، نظرية وعلمية، والشرقيون وخاصة العرب غارون غافلون عنها، ومشغولون بما مناهم الدهر به من سلطان جائر، وجد عاثر، وتشتت وتفرق، وارتكاس وانتكاس في العلم والفن والأدب والثقافة عامة، ما عدا الذي أشرنا إليه من نهضة الترجمة في مصر، ونضيف إليه استيقاظا في لبنان، لا يعنينا ذكر مصدره.
وكانت الدولة العثمانية هي المهيمنة على عامة أصقاع العرب وأقطارهم وبلدانهم حتى الحرمين الشريفين مكة والمدينة، وكانت أقرب الدول الشرقية إلى أوروبا، فقد امتدت فتوحها إلى أواسط أوروبا، ولكنها بقيت متخلفة في الحضارة والعلوم والفنون سوى الخط والرسم، ولما بهرتها النهضة العلمية الأوروبية والنهضة الفنية لم تجد في لغتها التركية ما يؤازيها فعمدت إلى اللغة العربية كما عمدت قديما إلى الاسلام وفقهه وحديثه وآدابه فاختارت منها أسماء للمسميات الأوروبية على حسب إدراكها لمعاني تلكم الأسماء، وعلى نحو ما فهمته من استعمالها قديما عند العرب، فاختارت التفتيش والمفتش والمدير والإدارة والمباشر والمستنطق والضابط والملازم وقائم المقام والمتصرف واللواء ومير لواء أمير اللواء والفريق والصنف للمدرسة والجيش، والمراتب والسفارة، والممتاز والافتخار والمرصع والمشير والمشيرية والمستشار، والعزة والرفعة والسعادة والفخامة والفضيلة والخزينة بدلا من الخزانة، والوكالة للمحاماة، والوكيل للمحامي، والمتمايز من الرتب، والمدعي العمومي، والعضو والمعاون، والمقيد والقيد، والواردات والمصرف والمصارفات، والأوراق والتحريرات والمعارف، والمعلومات والإملاء، واللسان للغة والأعلام، والإعلامات، والأخطار والأخطارات، والطبع، والمرتب والترتيب للحروف، والاستئناف والتمييز، والبداية، والجزاء والاجراء، والضبط لكتابة المحكمة، والمنحل للشاغر، والكشف، والمخابرة أي المناباة، والشعبة، والمكتب لمدرسة الصبيان والصبايا، والموزع، والرسوم والرسومات، والتحقيقات، والمركز، والصحة، والولاية والقضاء والناحية، والهيئة والضابطة والنفر للواحد، واليكون للحساب، والقلم والدائرة للكتابة وديوانها، والاعدادي للدرس، والرؤساء الروحانيون، وعلم الثروة للاقتصاد والأدبيات لعلم الأدب، والمبصر لمرشد المدرسة، والإناث للطالبات، والذكور للطلاب أعني البنات والبنين، والشهادة، وأركان الحرب والرديف والاحتياط واللوازم، والجراح، والبيطر لخيل الجيش، والفرقة لعدد معين من الجند، والصندوق لبيت المال في مدينة أو بلد، وأمين لخازن بيت المال، والنفوس لاحصاء السكان، والبحرية، والموازنة بين الواردات والمصروفات، والحاصلات للجباية، والمعاش، وغيرها.
واشتقوا المحكمة والآمر والمحاسب والمحاسبة والمطبعة واللياقة والمتحيز للمتميز وابتدعوا الابتدائية والرشدية والألفية والبلدية والداخلية والخارجية والمالية والعدلية والضبطية والرسمية والقرطاسية واليومية والآمرية والمأمورية،