ولعل أول من أشار إلى مهاراته وعددها هو الحصري القيرواني في جواهره، وابن مكي في تثقيفه (1). 4 1178 ولعل ابن مكي أول من أشار إلى أن كشاجم طلب علم الطب بعد ذلك، حتى مهر فيه، وصار أكبر علمه، فزيد في اسمه طاء من طبيب. وقدمت على سائر الحروف من كاتب، شاعر، أديب، منجم، مغن، لغلبة الطب عليه، فقيل طكشاجم، ولكنه لم يسر كما سار كشاجم. أما أول من أشار إلى أنه كان مجاهرا في شيعيته فهو ابن شهرآشوب في معالمه، وأول من روى أن ديوان كشاجم كان مصدر ارتزاق لدى النساخ هو الثعالبي في يتيمته، كما كان شعره مصدرا للتعزية والترفيه (2) عن النفس، حسب ما قاله أحد أهل العصر، وقد يكون الثعالبي أول من أخرج من شعره ما نسب إلى الخالديين الشاعرين...
ولعل الثعالبي كذلك كان أول من أشار إلى أنه كان لكشاجم ولدان أبو نصر، وأبو الفتح.
أما أول من ذكر مؤلفات كشاجم فكان النديم في فهرسته، وقد أشار إلى الديوان الذي بلغ مائة ورقة، وكتاب أدب النديم، وكتاب الرسائل، وأول من أشار إلى كتاب كشاجم في الغناء والطرب هو الحصري القيرواني في جواهره، بقوله: وله في الغناء كتاب مليح. ولعل ابن خلكان أول من أشار إلى كتابه المصايد والمطارد حين روى عنه. أما القلقشندي فهو أول من أشار إلى كتاب كنز الكتاب، وفي القرن الحادي عشر الهجري جمع حاجي خليفة لكشاجم مؤلفاته المعروفة في عصره، وذكرها جميعا، ما عدا كتاب الرسائل، وكنز الكتاب، مضيفا إلى مؤلفاته كتاب خصائص الطرب، كتاب الطبيخ الذي ورد مصحفا بالصبيح!، كتاب الطرديات في القصائد والأشعار.
مولده ووفاته وتبين لنا بعد التنقيب، والبحث، والتحقيق، أن كشاجم ولد ببغداد في حدود سنة 280 ه، وتوفي في حدود سنة 348 ه بمصر، حيث استقر في أواخر حياته.
ومن المفيد أن نشير إلى أن كشاجم ظل يرحل متنقلا بين بلاد العراق والشام ومصر، يستقر في إحداها مدة من الزمن، ثم يتركها، ليعود إليها مرة أخرى. إنما من الواضح أن كشاجم كان قد انطلق من بغداد، حاضرة الخلافة، حيث كانت له دار، على شط دجلة، على حد تعبيره (3)، ويبدو أنه كان يعيش ببغداد في الجانب الشرقي حيث دور الخلافة، ودور رجالاتها (4).
ومن المفيد أن نشير إلى تفرد سامي الدهان بتحديده سنة 340 ه، تاريخا لوفاته، وبتحديد مكانها بحلب، حيث استقر. أما محمد أسعد طلس فقد تفرد كذلك بتعيين تاريخ لولادة كشاجم، وأخرى لوفاته، فذكر في أبحاثه أن كشاجم ولد في حدود سنة 295 ه، دون أن يدلي بالأسباب المقنعة، وأنه توفي سنة 358 ه، أو ما بعدها، كذلك دون أن يقنعنا بالسبب الذي اعتمده، ففي رأيه أن كشاجم هجا كافورا، وأن كافورا لم يتول السلطة المطلقة إلا قبل وفاته بقليل، وقد توهم الكاتب حين أشار إلى هجاء كافور الإخشيدي، أما الصواب فهو هجاء لأحد غلمان كشاجم، وكان يدعى كافورا، ويبقى سؤالنا قائما: أفلا يستطيع كشاجم أن يهجو كافورا قبل استقلاله المطلق بالملك سنة 355 ه؟! على أننا نعلم أن الإخشيد محمد بن طغج قد عهد إلى كافور بالوصاية على ولديه أنوجور محمود، وعلي، لأنهما كانا قاصرين، وكان كافور، كما يخبرنا التاريخ، قد استأثر بالملك منذ موت الإخشيد سنة 334 ه!
ومن المفيد كذلك أن نذكر أن المؤرخين والباحثين، ممن اختاروا سنة 360 ه تاريخا لوفاته، إنما فعلوا ذلك توهما منهم أن ابن كشاجم هو كشاجم، فاختلط عليهم الأب وابنه، وقد ذكر الثعالبي أبا نصر بن أبي الفتح كشاجم، وروى له ما يقارب 66 بيتا، كما روى أخباره أبو علي التنوخي في نشواره في الستين بعد الثلاث مائة، حين كان كاتبا لأبي علي الأعصم القرمطي في بلاد الشام، وفي رملة فلسطين خاصة.
وأخيرا، نشير إلى إعجاب كشاجم بحلب، حيث بنى فيها دارا، وامتلك أرضا وبستانا، كما جاء في شعره (5). وكان كشاجم يصف طبيعة حلب (6) في جميع فصولها، ويصف ربيعها، وهو في غاية من الفرح والانشراح النفسي، ويصف نهرها قويق، ويتغنى بجمال طبيعتها، مما جعل بعض المؤرخين يرددون قصيدته في حلب، ويعتبرون ما قاله فيها وفي طبيعتها من أروع ما قيل في حلب. فلو عاش كشاجم حتى الخمسين بعد الثلاث مائة، وعلم بخراب حلب حين دخل إليها نقفور فوكاس الروماني سنة 351 ه، ودمر قصورها، ونهب محتويات خزائنها، وأثاثها، وتحفها، وذخائرها، واستباحها، بحيث لم ينج منها إلا من صعد القلعة، ثم تركها ركاما من خراب، أما كان قد ناح كشاجم على البلدة التي أحب، والتي غنى بساتينها وأشجارها، ونهرها، وزهورها، وربيعها، أو رثاها باكيا، وهو الذي رثى وبكى قمرية الذي مات، وطاووسه الذي هلك، ومنديله الذي سرق! فانى له أن يسكت عن دمار حلب الحبيبة، عاصمة الشعراء والأدباء؟!