المنشورة. ولعل سقوط ترجمة كشاجم من مخطوط بيتي للفهرست، وثبوتها في المخطوط الذي اعتمده فلو غل، ما يعزز قولنا. كذلك يعزز قولنا موقف الثعالبي من كشاجم في كتبه الكثيرة، وإعجابه الشديد به، واستحسان معانيه وأوصافه ولطائفه، وكثرة استشهاده بشعره. ولم يستدرك ترجمته بعد الثعالبي أحد من المؤرخين القدماء، وكتاب السير في أمهات كتبهم، كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ومعجم الأدباء لياقوت الحموي، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وفوات الوفيات للكتبي، والوافي بالوفيات للصفدي.
ونرجح أن الترجمة قد سقطت في القرن الخامس أو السادس، قبل معجمي الخطيب البغدادي وياقوت الحموي، لذلك لم يضف كتاب القرن الخامس كثيرا إلى ما عرفناه من قبل. وظل الرواة يروون شعره، ويذكرون لقبه، ويعرفون ذلك اللقب بقولهم، كما قال الحصري القيرواني في جواهره:
هو أبو الفتح محمود بن الحسين بن السندي، الكاتب المعروف بكشاجم.
وفي القرن السابع، حيث ألف ياقوت الحموي، وابن خلكان معجميهما في سير المشاهير، لم يدون له أحد سيرة، ولم ينتبه أحد إلى اسقاط ترجمته من اليتيمة، إنما حين أشار ياقوت في معجم الأدباء إلى كشاجم في سياق حديثه عن السري الرفاء، نقل ما قاله الثعالبي في اليتيمة. أما في معجم البلدان فروى لكشاجم شعرا في حلب، ومصر، وفي بعض أديرة بلاد الشام والعراق ومصر. أما ابن خلكان فنقل كذلك رواية صاحب اليتيمة، أو ياقوت الحموي، في سياق حديثهما عن السري الرفاء، كذلك نقل ابن خلكان في وفياته أخبار الصيد عن كشاجم في مصايده.
بهذا راح المؤرخون يرددون ما قاله كل من صاحب اليتيمة، أو صاحب معجم الأدباء أو صاحب الوفيات، أو صحب شذرات الذهب منذ القرن الثامن الهجري حتى الحادي عشر الهجري.
فالذهبي اكتفى في عبره بقوله أنه أحد فحول الشعراء، وأن اسمه محمود بن الحسين، كما أن الكتبي لم يستدرك في فواته على ما فات ابن خلكان في وفياته.
أما ابن خلدون في تاريخه، فقد قلب اسم كشاجم، وجعله الحسين بن محمود المعروف بأبي الفتح كشاجم، ولم يشر أحد إلى تصويبه.
ولعل الجملة التي أطلقها الغزولي في القرن التاسع الهجري قد شغلت الباحثين، والكتاب، فتناقلها المؤرخون لسيف الدولة، ولبلاطه، واشتهرت عبر القرون، وذاعت، مما جعل الكثيرين يتوهمون أن كشاجم كان طباخ سيف الدولة!
قال الغزولي في بدوره، أنه اجتمع لسيف الدولة ما لم يجتمع لغيره من الملوك، فكان خطيبه ابن نباتة الفارقي، ومعلمه ابن خالويه، ومطربه الفارابي، وطباخه كشاجم، وخزان كتبه الخالديان، والصنوبري، ومداحه المتنبي والسلامي، والوأواء الدمشقي، والببغاء، والنامي، وابن نباتة السعدي، والصنوبري، إلى غير ذلك.
أما السيوطي فهو أول من كنى كشاجم أبا نصر، نقلا عن رواية التيفاشي في هديله. ولعل التيفاشي توهم ذلك، فالمعروف عن كنية كشاجم أنها أبو الفتح، وأن كنية جده الأكبر، وجده، وابنه، أبو نصر، مما جعل بعض الباحثين المحدثين يقفون في حيرة، ويشيرون إلى غير كنية لكشاجم، أما الصواب فكان لكشاجم كنية واحدة، وهي أبو الفتح. والسيوطي كذلك أول من نسب كشاجم إلى محمد، وجعله والده، نقلا عن رواية التيفاشي، فقال: كشاجم هو محمود بن محمد بن الحسين بن السندي بن شاهك، يكنى أبا نصر، أو لعل التيفاشي أشار إلى كنية السندي بن شاهك، فنقله السيوطي، ووضع لفظه يكنى، ولم نطلع على سجع الهديل، لعدم وجوده، مرجحين أنه لا يزال مخطوطا.
أما حاجي خليفة في كشفه، فذكر لكشاجم مؤلفاته مكررا كنيته، واسمه، ولقبه كالآتي: هو أبو الفتح، محمود بن الحسين المعروف بكشاجم.
ولعل ابن العماد شاء أن يروي ما قاله جميع الرواة في سيرة كشاجم، دون حسم أي خبر أو رواية. ولعله أول من أشار إلى كنية أخرى له وهي أبو الحسين، فأضافها إلى أبي الفتح المعروفة، إنما بقي اسمه محمود بن الحسين بن السندي، أحد فحول الشعراء.
وفي حديثه عن السري الرفاء نقل، كغيره، ما قاله الثعالبي في يتيمته، أو ياقوت الحموي في معجمه، أو ابن خلكان في وفياته، بان السري كان مغرى بنسخ ديوان كشاجم الشاعر المشهور، ريحان الأدب بتلك البلاد.
وأول من كناه أبا الفتوح بالجمع، هو محمد بن الحسن الحر العاملي في أمله، ولعله تكريم لتشيع الشاعر كشاجم! ولم ينقله عنه فيما بعد سوى مصدر شيعي آخر هو السيد حسن الصدر في تأسيسه.
ولم نستطع أن نعرف عن كشاجم من المصادر التي أطلعنا عليها، التاريخية، منها، والموسوعية، والمعجمية، والأدبية، من القرن الرابع الهجري حتى الثاني عشر الهجري، سوى ما حسمنا حوله الخلاف في اسمه، وهو محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك، وأن كنيته هي أبو الفتح، وأن لقبه العلم هو كشاجم، بالإضافة إلى ما عرفناه في الفصل السابق بان شاهك هو ابن زادان بن شهريار الرازي الفارسي الساساني.
ومن المفيد أن نضيف إلى ذلك ما قاله فيه بعض المؤرخين والرواة، مشيرين إلى الذين سبقوا غيرهم بما قالوه، فالمسعودي، في مروجه أشار إلى أن كشاجم كان من أهل العلم والرواية والمعرفة والأدب، وأن الخليفة المستكفي 333 ه 334 ه، كان يستحسن وصف كشاجم للمأكولات والمطبوخات، فيطرب، ويأمر باحضار كل ما وصف له! أما أبو بكر الخوارزمي فكان يروي شعر كشاجم ويقول: أنا أحفظ في هجاء المغنين ما يقارب ألف بيت، وليس فيه أبلغ وأوجز وأطرب من قول أبي الفتح كشاجم! كما كان يعتبر لطائف كشاجم من المواضيع الأساسية لكل من يرغب في أن يتخرج في الشعر. أما الثعالبي فاعتبر كشاجم من مولدي شعراء أهل الشام، ومن الشعراء الذين أصبح لهم مذهب في شعرهم يقتدى، وعلوم تحتذى، وهو الكاتب، والشاعر، والمنجم، وكان ريحان أهل الأدب بتلك البلاد...