سيرته ظهرت في سلسلة مطبوعات كلية الآداب، بجامعة بغداد سنة 1380 ه 1961 م. كما دعوت إلى إحياء ذكرى ابن الكوفي الألفية، وأعلنا مهرجانه الألفي، في كلية الآداب بجامعة بغداد، في 12 كانون الثاني سنة 1960، وعرفت به في راديو بغداد، عشية 22 حزيران سنة 1960، ووصفت النسخة الخطية في مؤتمر المستشرقين الخامس والعشرين بموسكو في صيف العام المذكور، وفي الندوة الثقافية بتلفزيون بغداد عشية 3 تشرين الأول سنة 1964، وعرفت بابن الكوفي أيضا في العدد ال 14 و 15 من مجلة بغداد.
أما ابن الكوفي وهو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد بن الزبير، الأسدي، القرشي، المعروف بابن الكوفي، وابن الزبير، فقد ولد بمدينة الكوفة سنة 254 ه 868 م، واستوطن بغداد، وتوفي بها سنة 348 ه 960 م، فاكتفي الآن بالإشارة إلى أني أكاد أعد هذا النابغة العراقي من أوائل المحققين العرب، الذين اتبعوا الطريقة العلمية الصحيحة في التأليف والكتابة، والنقل والجمع.
وكان خطه معروفا بالصحة والجودة، والاتقان والضبط. وكانت تأليفاته غاية في الدقة. وقد رتب خزانته على العلوم ترتيبا خاصا بارعا، مع تعيين أمكنتها. كما أنه سبقنا إلى استعمال البطاقات والجزازات وهي الرقاع والوريقات التي تعلق فيها الفوائد، التي نسميها اليوم فيش في التأليف والجمع.
وقد بيعت رقاعه بعد وفاته كل بطاقة بدرهم. والدرهم يساوي 215 فلسا عراقيا، بحسب عملتنا، وفق تكسير سعر الدينار الذهب العراقي القديم، في زمن ابن الكوفي، على عشرة دراهم.
وقد اعتمد ابن النديم على مباحث ابن الكوفي. ولقد أحصيت ماخذ ابن النديم في كتابه الفهرست من خط ابن الكوفي، فوجدته نقل فصولا طوالا في 29 موضعا من الكتاب، ربما أوشكت أن تبلغ مقدار عشر الفهرست تقريبا.
ومما يزيد أهمية ابن الكوفي، أنه كان واسطة نقل التراث العلمي، الذي تم طوال القرون الأربعة الأولى من تاريخ الثقافة الاسلامية. وقد حسبت ما وصلت إلينا أسماؤه، مما رواه عنه واحد من تلاميذه فقط، وهو أبو عبد الله أحمد بن عبدون المعروف ب ابن الحاشر، المتوفي سنة 423 ه 1032 م فوجدته 600 كتاب في اللغة، والأدب، والخطب، والتاريخ، والأنساب، والتفسير، والفقه، والشعر، وسائر العلوم الاسلامية. فقد أوصل إلينا 400 أصل من كتب الحديث، كما أوصل إلينا آثار 19 عالما من رجال الفكر الاسلامي، والثقافة الفقهية.
أما هذا الكتاب، الذي أتكلم عليه، فأكاد لا أشك أن اسمه منازل مكة فان مؤلفه صنفه في صفة منازل مكة. وقد صرح بالاسم عدة مرات.
ولقد وصف الطريق غاية في الدقة من الكوفة إلى مكة، ثم طريق المدينة. ثم ذكر مسجد النبي ص الذي بناه حين قدم من مكة، والمسجد الذي بناه لما قدم من خيبر. وقد وصف مسجده في المدينة، وبين زيادات الخلفاء، وذكر القبر، واختلاف الناس فيه، وأشار إلى مساحته.
وذكر أيضا الكتابة التي حول المسجد، وزينته، وتوسيعه أيام الخلفاء والولاة. ثم ذكر حد جدار النبي، ومساجده في المدينة، ومساحتها، وذكر المنبر.
ثم بين حد المدينة، وجبالها، ومياهها، وما حولها من الجبال، وأقسامها، وقبور الشهداء بأحد وأسماءهم.
ثم ذكر طريق بدر، والطريق بين المدينة ومكة، ووصف المنازل إلى مكة، وذكر آداب الحج.
وذكر من بعد مكة، وأسماءها، وسبب تسميتها. والمسجد الحرام، والصفا، والمروة، والكعبة، وبنيانها، وزمزم، ومساحة المسجد الحرام والكعبة.
وذكر الطريق إلى منى، والمشاعر، ومسافاتها، والطريق القديمة بين خيبر والمدينة، ومسافاتها، وطريق سلمان.
وأفرد فصلا جغرافيا لوصف الحجاز، وجزيرة العرب، ونجد، وتهامة.
ثم أثبت منظومة طويلة في ذكر المنازل على طريق مكة لأحمد بن عمرو الذي كان مع أم جعفر سنة حجها، ووصف سفرها من بغداد إلى الكوفة. ثم إلى مكة، ثم الخروج في الطريق الأول إلى مدينة السلام بغداد. ومنظومة أخرى في وصف الطريق أيضا ومنظومة ثالثة، أنشدها أبو جعفر، أحمد بن محمد بن الضحاك بن عمر، الجماني الكوفي.
ومنظومة رابعة للمؤلف في وصف طريق العودة إلى الكوفة.
ثم ذكر طريق البصرة ومياهه، والطريق التي يسلكها الناس في عصره، وطريق البحرين.
وأثبت قصيدة وهب بن جرير بن حازم الجهضمي في الطريق والمناسك.
وأورد أخيرا الطريق إلى مكة من اليمن، وتهامة، وحضرموت، ومصر، والساحل، والشام، والطائف، وجدة.
وهو يروي كل ما يأتي به، عن الرواة الثقات باسنادهم. ويصف الأمكنة والمنازل، ومن ينزلها من القبائل، وأسماءها، وأسباب تسميتها ويعين مسافاتها، وبعدها عن البقاع المحيطة بها، وما فيها من قصور ومساجد، وبرك، وأحواض، ومشارب، ومصافي، ومسايل، ومجاري، وآبار.
وكذلك الهضاب، والعقبات، والرمال، والرياض، والبساتين والحدائق. ويعين أنواع الأرضين، وارتفاعها، والآبار المطمومة، والمعطلة والعذبة، والمالحة. ولم ينس إثبات ما قيل في ذلك كله من الشعر، وما ورد فيه من الأخبار.
فالكتاب إذن مجموع أدبي، تاريخي، نسبي، جغرافي، طبغرافي، فقهي. وقد روى المؤلف في كتابه هذا عن جماعة زادوا على مائة من العلماء والأخباريين، كلهم ممن كان يعيش في بغدد في أواسط القرن الثالث وأواخره، وأوائل القرن الرابع الهجري 9 و 10 م وهو عصر ابن الكوفي.
أما مؤلف الكتاب، فأكاد أظن أنه عراقي سواء كان ابن الكوفي أم لم يكنه لأنه خص العراق بالجزء الأكبر من الكتاب، ووصف طريق العراق