بعد الزوال ثم انصرفوا فظن الناس من رعاع أهل البصرة وجهالهم أن القوم قد مضوا لصلاة الجمعة وكان الذي صرفهم أنهم خشوا أن يخرج عليهم جمع السعدية والبلالية من المربعة وخافوا الكمناء هناك فانصرفوا وانصرف من كان بناحية زهران وبنى حصن وذلك بعد أن أحرقوا وأنهبوا واقتدروا على البلد وعلموا أنه لا مانع لهم منه فأغبوا السبت والاحد ثم غادوا البصرة يوم الاثنين فلم يجدوا عنها مدافعا وجمع الناس إلى باب إبراهيم بن يحيى المهلبي وأعطوا الأمان قال محمد بن سمعان فحدثني الحسن بن عثمان المهلبي الملقب بمندلقة وكان من أصحاب يحيى بن محمد قال أمرني يحيى في تلك الغداة بالمصير إلى مقبرة بنى يشكر وحمل ما كان هناك من التنانير فصرت إليها فحملت نيفا وعشرين تنورا على رؤس الرجال حتى أتيت بها دار إبراهيم بن يحيى والناس يظنون أنها تعد لاتخاذ طعام لهم وهم من الجوع وشدة الحصار والجهد على أمر عظيم وكثر الجمع بباب إبراهيم بن يحيى وجعلوا ينوبون ويزدادون حتى أصبحوا وارتفعت الشمس قال ابن سمعان وأنا يومئذ قد انتقلت من سكة المربد من منزلي إلى دار جد أمي هشام المعروف بالداف وكانت في بنى تميم وذلك للذي استفاض في الناس من دخول بنى تميم في سلم الخائن فإني لهناك إذ أتى المخبرون بخبر الوقعة بحضرة دار إبراهيم بن يحيى فذكروا أن يحيى بن محمد البحراني أمر الزنج فأحاطوا بذلك الجمع ثم قال من كان من آل المهلب فليدخل دار إبراهيم بن يحيى فدخلت جماعة قليلة وأغلقوا الباب دونهم ثم قيل للزنج دونكم الناس فاقتلوهم ولا تبقوا منهم أحدا فخرج إليهم محمد بن عبد الله المعروف بأبي الليث الأصبهاني فقال للزنج كيلوا وهى العلامة التي كانوا يعرفونها فيمن يؤمرون بقتله فأخذ الناس السيف * قال الحسن بن عثمان فانى لاسمع تشهدهم وضجيجهم وهم يقتلون ولقد ارتفعت أصواتهم بالتشهد حتى لقد سمعت بالطفاوة وهم على بعد من الموضع الذي كانوا به * قال ولما أتى على الجمع الذي ذكرنا أقبل الزنج على قتل من أصابوا ودخل علي بن أبان يومئذ فأحرق المسجد الجامع وراح إلى الكلأ فأحرقه من الحبل إلى الجسر والنار في كل ذلك تأخذ في كل شئ مرت به من إنسان وبهيمة وأثاث
(٦٠٦)