الحصار عض أهل البصرة وكثر الوباء بها واستعرت الحرب فيها بين الحزبين المعروفين بالبلالية والسعدية فلما كان يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال من هذه السنة أغارت خيل الخائن على البصرة صبحا في هذا اليوم من ثلاثة أوجه من ناحية بنى سعد والمربد والخريبة فكان يقود الجيش الذي سار إلى المربد على ابن أبان وقد جعل أصحابه فرقتين فرقة ولى عليها رفيقا غلام يحيى بن عبد الرحمن ابن خاقان وأمرهم بالمصير إلى بنى سعد والفرقة الأخرى سار هو فيها إلى المربد وكان يقود الخيل التي أتت من ناحية الخريبة يحيى بن محمد الأزرق البحراني وقد جمع أصحابه من جهة واحدة وهو فيهم فخرج إلى كل فرقة من هؤلاء من خف من ضعفاء أهل البصرة وقد جهدهم الجوع والحصار وتفرقت الخيل التي كانت مع بغراج فرقتين فرقة صارت إلى ناحية المربد وفرقة صارت إلى ناحية الخريبة وقاتل من ورد ناحية بنى سعد جماعة من مقاتلة السعدية فتح غلام أبى شيث وصحبه فلم يغن قليل من خرج من أهل البصرة إلى جموع الخبيث شيئا وهجم القوم بخيلهم ورجلهم * قال ابن سمعان فإني يومئذ لفى المسجد الجامع إذ ارتفعت نيران ثلاث من ثلاثة أوجه زهران والمربد وبنى حمان في وقت واحد كأن موقديها كانوا على ميعاد وذلك صدر يوم الجمعة وجل الخطب وأيقن أهل البصرة بالهلاك وسعى من كان في المسجد الجامع إلى منازلهم ومضيت مبادرا إلى منزلي وهو يومئذ في سكة المربد فلقيني منهزمو أهل البصرة في السكة راجعين نحو المسجد الجامع وفى أخراهم القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشمي وهو على بغل متقلد سيفا يصيح بالناس ويحكم أتسلمون بلدكم وحرمكم هذا عدوكم قد دخل البلد فلم يلووا عليه ولم يسمعوا منه فمضى وانكشفت سكة المربد فصار بين المنهزمين والزنج فيها فضاء يسافر فيه البصر * قال محمد فلما رأيت ذلك دخلت منزلي وأغلقت بابى وأشرفت فإذا خيل من الاعراب ورجالة الزنج تقدمهم رجل على حصان كميت بيده رمح عليه عذبة صفراء فسألت بعد أن صير بي إلى مدينة الخائن عن ذلك الرجل فادعى علي بن أبان أنه ذلك الرجل وأن الراية الصفراء رايته ودخل القوم فغابوا في سكة المربد إلى أن بلغوا باب عثمان وذلك
(٦٠٥)