وقد كان الفضل بن سهل دس قوما اختارهم ممن يثق به من القواد والوجوه ببغداد ليكاتبوه بالاخبار يوما يوما فلما هم محمد بخلع المأمون بعث الفضل بن الربيع إلى أحد هؤلاء الرجال يشاوره فيما يرى من ذلك فعظم الرجل عليه أمر نقض العهد للمأمون وقبح الغدر به فقال له الفضل صدقت ولكن عبد الله قد أحدث الحدث الذي وجب به نكض ما أخذ الرشيد له قال أفثبتت الحجة عند العوام بمعلوم حدثه كما تثبت الحجة بما جدد من عهده قال لا قال أفحدث هذا منكم يوجب عند العامة نقض عهدكم ما لم يكن حدثه معلوما يجب به فسخ عهده قال نعم قال الرجل ورفع صوته بالله ما رأيت كاليوم رأى رجل يرتاد به النظر يشاور في رفع ملك في يده بالحجة ثم يصير إلى مطالبته بالعناد والمغالبة قال فأطرق الفضل مليا ثم قال صدقتني الرأي وأجملت نقل الأمانة ولكن أخبرني إن نحن أعضنا من قالة العامة ووجدنا مساعدين من شيعتنا وأجنادنا فما القول قال أصلحك الله وهل أجنادك إلا من أحد عامتك في أحد بيعتهم وتمكن برهان الحق في قلوبهم أفليسوا وإن أعطوك ظاهر طاعتهم مع ما تأكد من وثائق العهد في معارفهم فإنه لا طاعة دون أن يكون على تثبت من البصائر قال نرغبهم بتشريف حظوظهم قال إذا يصيروا إلى الثقل ثم إلى خذلانك عند حاجتك إلى منا صحتهم قال فما ظنك بأجناد عبد الله قال قوم على بصيرة من أمرهم لتقدم سعيهم وما يتعاهدون من خطبهم قال فما ظنك بعامتهم قال قوم كانوا في بلوى عظيمة من تحيف ولا تهم في أموالهم ثم في أنفسم صاروا به إلى الأمنية من المال والرفاغة في المعيشة فهم يدافعون عن نعمة حادثة لهم ويتذكرون بلية لا يأمنون العودة إليها فلا سبيل إلى استفساد عظماء البلاد عليه ليكون محاربتنا إياه بالمكيدة من ناحيته ولا بالزحوف نحوه لمناجزته لمحبة الضعفاء له قد صاروا إليها لما نالوا به من الأمان والنصفة وأما ذو القوة فلم يجدوا مطعنا ولا موضع حجة والضعفاء السواد الأكبر قال ما أراك بقيت لنا موضع رأى في اعتراء إلى أجناده ولا تمكن النظر في ناحيته بأجنادنا ثم أشد من ذلك ما قلت به من وهنة أجنادنا وقوة أجناده في مخالفته وما تسخو نفس أمير المؤمنين
(٥٦٢)