للمبدأ الأعلى في علمه بذاته وعلمه بغيره، لا لقصور في حقه تعالى، بل لعدم تعلق الاختيار في الواجبات والضروريات.
إذا لاحظت ذلك، تقدر على أن تكون على بصيرة في الإرادة والقصد والعزم التي هي من الأفعال الجوانحية، فإنها خلاقة لها، وفعالة لها، من غير حاجة إلى الإرادة الفعلية والاختيار الزائد على ذاتها، بل نفس ذاتها - بما لها من الكمالات الأولية، وبما أنها مستجمعة لجميع النعوت بنحو الجمع والاندماج، مع نهاية الضعف والفتور - مختارة في ذلك.
بل الاختيار من الأوصاف الذاتية غير المنقسمة إلى الاختيار الذاتي والفعلي، بخلاف العلم والقدرة والإرادة، ودليل ذلك عدم المحاكاة له في الأعيان، ولا الأذهان، مع وجوده فينا وفي المبدأ الأعلى بالقطع واليقين.
فعلى ما تقرر إلى هنا، تندفع الشبهة، وتنقطع السلسلة، ويثبت الاختيار.
وهذا الذي ذكرناه مضافا إلى موافقته للبرهان، يشاهده الوجدان، فإن " من عرف نفسه فقد عرف ربه " (1) فإذا لاحظ كيفية تصدي النفس لخلق هذه الأفعال، وأنها بالنسبة إليها فاعلة بالعناية، بل بالتجلي - بخلاف فاعليتها لأفعالها الجوارحية، فإنها بالقصد والآلة - يتوجه إلى كيفية فاعليته تعالى، وإن كان هذا الأمر خارجا عما حاولته هذه السطور من التوضيح والتحرير.
إن قلت: هذا فيما إذا كانت الإرادة والصور العلمية من الأفعال ومخلوقاتها، وأما إذا كانت من العوارض وحالاتها القائمة بها قياما الحلوليا، فلا يتم ما أفيد وتقرر.
قلت: نعم، ولكن شهادة الوجدان وقضية البرهان - كما مر تفصيله - على أن الأمر ليس كما توهم، ولا سيما في الإرادة. مع أن مقتضى ما هو الأقرب، أنها بالنسبة