الحقائق من الطرق الصحيحة.
وهذا هو معنى الحديث الشهير: " إن الأشياء خلقت بالمشية، والمشية بنفسها " (1) فإن المشية الفعلية - وهي الوجود المنبسط مثلا - معلولة المشية الذاتية، وإلا فلا يعقل خلق الشئ بنفسه الشخصية، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك، فلا بد من أن تطلع على أن النفس المتحدة، هي من دار القدرة والملكوت، ومن ذوات التجرد والجبروت، تكون ظله تعالى في استجماعها جميع القوى - بنحو الكثرة - في الوحدة، على وجه لا يناقض بساطتها، ولا يضاد وحدتها.
وإن شئت قلت: أفعال النفس تنقسم إلى الأفعال الجوارحية، والجوانحية، فما كانت من أفعالها الجوارحية، تحتاج في وجودها إلى المبادئ المفصلة المزبورة، من التصور إلى العزم والإرادة، وما كانت من أفعالها الجوانحية، فلا معنى لاحتياجها في خلقها إلى المبادئ، كما هو الواضح بالوجدان.
فإذا لاحظت حال خلق النفس للصور العلمية، وأنها تقدر على إيجادها لأجل وجود الملكة العلمية، أو لأجل كونها خلاقة لها، لارتفاع الحجب والموانع عن تأثيرها فيها، ولا تكون في ذلك محتاجة إلى تصورها، بل هي توجد بنفس التصور، وكثيرا ما تقتدر على إيجاد الصور والمتخيلات بالاختيار، أي قد يحصل المعنى التصوري في النفس بالأسباب والمعدات الخارجية، كالسماع والإبصار، فعند ذلك لا تكون هي مختارة في حصولها.
ولكن فيما إذا كانت المبادئ لتحقيق المعنى التصوري، موجودة في خزانة النفس من قبل، وتكون واجدة لمواد المرتسمات الذهنية، تكون بالاختيار والخيار في ذلك أحيانا. ولكن لا اختيار لها على الإطلاق من جميع الجهات، كما لا خيار