ولقد حان وقت طلوع ما به تنحل المعضلة، وترتفع الشبهة، وقد مر إجماله منا في السالف بإثبات الإرادة والاختيار الذاتيين للنفس، وأن السلسلة قهرا تنقطع بذلك (1).
وقبل الخوض في الجواب، نشير إلى إعضال آخر في المقام: وهو أن فعل الله تعالى إما يكون بالإرادة، أو لا، لا سبيل إلى الثاني، فإن كان بالإرادة فهي إما عين ذاته، أو زائدة عليها لا سبيل إلى الثاني، للزوم الإمكان، والتركب من النقص والكمال، وللتسلسل، ضرورة أن هذه الإرادة إما تحصل بلا إرادة، أو تحصل بنفسها، أو بإرادة أخرى زائدة، والكل ممنوع، فيتعين كونها مستندة إلى إرادة ذاتية.
وتوهم كفاية العلم الذاتي والقدرة الذاتية، لحصول تلك الصفة الزائدة على الذات، غير سديد كما عرفت (2)، ضرورة أن المشية مأخوذة في القدرة، فكيف تكون القدرة ذاتية، ولا تكون المشية عين ذاته؟!
هذا مع أن نسبة المعلوم والمقدور إلى العلم والقدرة بالإمكان، " والشئ ما لم يجب لم يوجد "، من غير فرق بين العلم الإمكاني والوجوبي، والقدرة الإمكانية والوجوبية، لعدم التخصيص في الأحكام العقلية.
هذا مع أن المقصود الأقصى إثبات الاختيار الذاتي، فهو تعالى ذو اختيار، وليس صفة الاختيار له زائدة على ذاته بالضرورة، وإلا يلزم تحققها لذاته بلا اختيار، فما ترى في كتب المتكلمين وجماعة من الأصوليين: من نفي الإرادة الذاتية (3)، ظانين المصاعب الكثيرة في ذلك، كله ناشئ عن الجهالة، وعدم نيل