تعلق به العلم، لا ما تعلق بعلمه العلم، والمحبوب ما تعلق به الحب، لا ما تعلق بحبه الحب وهكذا، كذلك المراد ما تعلق به الإرادة، لا ما تعلق بإرادته الإرادة، والمختار من يكون فعله بإرادة واختيار، لا إرادته واختياره. ولو توقف الفعل الإرادي على كون الإرادة المتعلقة به متعلقا للإرادة، لزم أن لا يوجد فعل إرادي قط، حتى ما صدر عن الواجب.
إن قلت: هذا مجرد اصطلاح لا يدفع به الإشكال من عدم صحة العقوبة على الفعل الإلجائي الاضطراري، فإن مبدأ الفعل - وهو الإرادة - إذا لم يكن اختياريا، يكون الفعل اضطراريا، فلا يصح معه العقوبة.
قلت: هاهنا مقامان:
أحدهما: تشخيص الفعل الاختياري عن الاضطراري.
وثانيهما: تشخيص مناط صحة العقوبة عند العقلاء.
أما المقام الأول: فلا إشكال في أن مناط الإرادية في جميع الأفعال الصادرة من الفاعل - واجبا كان، أو ممكنا - ما عرفت.
وأما المقام الثاني: فلا ريب في ترخيص جميع العقلاء من كافة الملل، العقوبة على العصيان، ويفرقون بين الحركة الارتعاشية، والحركة الإرادية " (1) انتهى ملخص ما أفاده، وكان يعتمد عليه، ولم يوجه إليه إشكالا في رسالته المعمولة في الطلب والإرادة.
أقول أولا: إن السيد الأستاذ تصدى للدفاع من ناحية لزوم التسلسل، وقد عرفت حاله، وهذا النحرير الأكبر والعالم الأعظم والمبتكر المفخم، حاول الدفاع من ناحية اختيارية الفعل واضطراريته، مع أن من المشكل حل كيفية وجود الإرادة في النفس، وأنها توجد بالاختيار والإرادة، أم لا، من غير النظر إلى مصححات العقوبة والمثوبة.