فتحصل إلى هنا: أن ما أفاده القوم في تحرير محل النزاع (1) ساقط، وسببه القصور عن نيل حقائق الأمور.
فالمحصول مما قدمنا مع الإطالة التي لا تخلو من الإملال: أن العاقل لا يمكن أن يتفوه بأن متعلق الأمر غير الطبيعة، مع أن المراد من الأمر ليس إلا الهيئة، والمقصود من المادة ليست إلا الطبيعة اللابشرط. فعليه كل من التزم بخلاف ذلك، فقد حداه إليه أمر من الأمور العقلية، وبرهان من البراهين العقلائية:
فمن قال: بأن المتعلق هي الطبيعة بما هي مرآة، وحاكية عن الخارج، ومتحدة معه، فقد رأى أن الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي، لا مطلوبة، ولا لا مطلوبة (2).
ومن اعتقد بأن المتعلق هو وجودها، ويكون البعث إلى إيجاد ذلك الوجود في الأعيان، وفي صفحة التكوين، فقد رأى أن الطبيعة لا يتعلق بها الجعل، وهي من الأمور الانتزاعية المجعولة بالعرض (3).
ومن ظن أن المتعلق هو الفرد، فقد رأى أن ما هو ممكن التحقق في الخارج هي الأفراد، لا الطبائع بنفسها (4).
ومن قال: بأن المتعلق هي الطبيعة بما هي هي (5)، ابتلي بإشكال لم يدفع في كلماتهم: وهو أن تلك الطبيعة ليست ذات مصالح ومفاسد، مع أن قضية المذهب كون متعلق التكاليف الإلهية ذا مصالح ومفاسد.