وبالجملة: صاحب " الكفاية " ومن تبعه توهموا أن مجرى البراءة هو الجزء القابل للجعل، وإذا ارتفعت قابليته فلا يمكن رفعه (1)، ومن أورد عليه الإشكال ظن أن إمكان الجعل بالدليل الثاني كاف في صحة الرفع (2)، مع أن الأمر ليس كما تخيلوا، بل المرفوع هو عنوان " ضيق التكليف وضيق المرام " بلحاظ أثره، وهو التوسعة في مقام الامتثال، وسقوط الأمر بإتيان الطبيعة، كما في رفع المكره والمضطر إليهما، فلا يكون الأصل ممنوع الجريان، ولا مثبتا أصلا.
وإن شئت قلت: ما هو المرفوع هنا أمر تكويني بلحاظ أثره، كما في الشبهات الموضوعية، ولا يشترط قابلية الأثر للوضع في متعلق الأمر الأول، بل يكفي إمكان إفادة أخصية الغرض بالإطلاق المقامي في رفع ما شك فيه بلحاظ التضييق الآتي من قبله في مقام الامتثال، فليتدبر جيدا.
رابعها: قد تقرر في محله: أن جريان البراءة في الأقل والأكثر، مخصوص بما إذا لم يكن في المحصلات العقلية والعادية، فإن فيها لا بد من الاحتياط، وإذا شك فيما نحن فيه في سقوط الأمر لأجل دخالة القيد في الغرض، فهو يرجع إلى كون المأمور به من المحصلات العقلية والعادية، فلا بد من الاحتياط.
وبعبارة أخرى: إذا كان المأمور به معلوم الحد، ومع ذلك صح الشك في سقوط أمره، فلا يعقل ذلك إلا برجوع المأمور به في الظاهر إلى أن المأمور به أمر آخر محصل، وما هو في الظاهر متعلق الأمر يحصله، فكيف يمكن التمسك بالبراءة النقلية (3)؟!