وتوهم: أن هذه المسألة أصولية، بدعوى: أن العلو معتبر في الأوامر التي يجب إطاعتها، دون مطلق الأمر، غير تام، لمخالفة كلماتهم لذلك، ولأن الأوامر الواجبة إطاعتها، ليست مقيدة بكونها صادرة عن علو، فإن إطاعة الزوج والوالد والسيد، واجبة على الزوجة والولد والعبد، مع أن من الممكن علو هؤلاء عليهم فلا تخلط.
والذي هو الحق في المسألة الفقهية المشار إليها، غير واضح بعد عندي، وقد احتملنا اختصاص ذلك بطائفة، وأن الأمر بالمعروف من المناصب التي لا بد من كونها بيد الحاكم والوالي، وإلا يلزم في بيان معروف واحد منكرات عديدة، كما نشاهدها بالوجدان، ولا نبالي بالالتزام بذلك وإن قلنا: بأن العلو غير معتبر في صدق " الأمر " لأن دليل تلك المسألة ليس هذا الوجه فقط، بل هذا من المؤيدات.
وأما ما هو الحق في هذه المسألة: فهو أن تقسيم الأوامر إلى الأوامر المختلفة، كالامتحانية، والإرشادية والغيرية، وإطلاق " فعل الأمر " في الكتب الأدبية على الصيغ الخاصة من غير النظر إلى القيد الزائد، ومقابلة النهي مع الأمر، وعدم اعتبار قيد العلو والاستعلاء فيه، مع أنهما يستعملان معا في الكتاب والسنة، وذهاب الفقهاء من الفريقين إلى وجوب الأمر بالمعروف على كافة الناس بالنسبة إلى كل أحد، من غير إشعارهم بخصوصية العلو في الآمرين، وحكاية فعل من بعث العالي إلى المعروف " بأنه أمر بكذا " من غير استعلاء منه في ذلك، وأنه إذا صنع ذلك امتثل قوله تعالى: * (الآمرون بالمعروف) * (1) وقوله تعالى: * (تأمرون بالمعروف) * (2) وهكذا من غير انتظار، وغير ذلك مما يطلع عليه الفكور، كلها شاهدة على عدم أخذ