لا يمكن إلا مجازا، ضرورة أن تلك المادة، وضعت للهيئات وللصيغ المستعملة في الانشاء والطلب، فمفادها هي الإرادة المظهرة والطلب المظهر بغيرها، فكيف يصح استعمالها في المعنى الإيجادي، وكيف يعقل إيجاد شئ بها؟
فهنا إشكالان:
أحدهما: مخصوص بهيئة " آمر " المستعملة في غير المعنى الموضوع له.
ثانيهما: مخصوص بمادة " الأمر " المستعملة في الانشاء، مع أنها موضوعة للحكاية عن الهيئات المستعملة بمالها من المعاني، كما مر تفصيله (1).
أما الإشكال في الجهة الأولى، فمندفع: بأن هيئة المضارع - على ما مر - لا تدل على الحكاية عن المستقبل، بل هي موضوعة للأعم.
وأما الجهة الثانية، فيندفع: " بأن هذه المادة أقيمت مقام هيئة الأمر، لمناسبة مقتضية، وكأنه إذا قيل: " آمرك بكذا " أي " أقول لك افعل كذلك " فيحصل المعنى الانشائي بهذه المادة في خصوص هذه الأمثلة تجريدا، أو غير ذلك مما يمكن توهمه. فالبحث الذي عنونه الأصحاب في المقام حول مادة الأمر ساقط، والاستشهادات التي ذكروها أجنبية، كما عرفت.
وأما أن مفاد هذا الانشاء الحاصل بتوسط تلك المادة، هو مطلق الطلب، أو الطلب الإلزامي، فهو أيضا غير صحيح، لأن تلك المادة أقيمت مقام الهيئة، أي كأنها معنى اسمي أقيم مقام المعاني الحرفية كما هو الرائج، فإن كانت الهيئة مفيدة الوجوب أو الندب أو غير ذلك، فهي مثلها من غير زيادة ونقيصة، وإن كانت تفيد ذلك بمقدمات الحكمة، فهي أيضا كذلك، فما ترى من منع جريان مقدمات الحكمة في مثلها (2)، في غير محله، فافهم واغتنم.