كبرياتها العقلية ومطالبها العالية - بنحو الإيماء والإشارة - عن أمير المؤمنين إلى زمان السجاد والباقر (عليهم السلام).
ومن الباحثين عن تلك الأمور والغائرين فيها، الحسن البصري - أسير عين التمر - فإنه كان رئيسا في حلقة من الحلقات العلمية، ويتفكر في المسائل العقلية الراجعة إليه تعالى وتقدس، فاتفق في يوم تشاح بينه وبين واصل بن عطاء في مسألة، فاعتزل عنه، فبدأ نشوء المعتزلة باعتزاله، حتى وصلت النوبة إلى أبي الحسن الأشعري - من معاصري الكليني، وأحفاد أبي موسى الأشعري المعروف - فخالف مرامهم، وأيد ما وصل إليهم من البصري، واختلقوا مذهبه بعدما اندرس (1)، فصارت الأمة الإسلامية - حسب الاعتقادات الكلامية - بين هاتين: معتزلة، وأشاعرة. وفي مقابلهم الإمامية الذين يأخذون المعتقدات من الوحي والتنزيل، وأصحابه وأربابه.
وتلك المسألة التي مضت الإشارة إليها، كانت مسألة تكلم الباري جل اسمه، وسبب النزاع في هذا، هو التخاصم في أن القرآن حادث، أم قديم، وقد حكي أن التشاجر بين الفريقين بلغ إلى حد أريق فيه الدماء الكثيرة، والمأمون كان من المعتزلة، ويحارب المخالفين، ويحبسهم لأجل اعتقادهم بقدم القرآن، ولما كان البحث حول كلامه تعالى سمي الباحث ب " المتكلم " (2).
فتحصل إلى هنا: أن هذه المسألة، نشأت عن مسألة كلامية اعتقادية، غير راجعة إلى مباحث الأصول واللغة قطعا، والإمامية والمعتزلة يقولون: بأن الطلب والإرادة متحدان، والأشاعرة يدعون الافتراق.
وغرضهم من ذلك: أن الأشاعرة يدعون: أن وراء العلم والقدرة والإرادة،