فوقع على صدره فقال لهم قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة فسأمكر لكم وأحتال جملوا النساء واعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى المعسكر يبعنها فيه ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم ففعلوا فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كسبتي - ابنة صور رأس أمته - برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن شلوم رأس سبط بني شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام فلما رآها أعجبته فقام فأخذ بيدها وأتى بها موسى وقال إني أظنك ستقول هذا حرام عليك لا تقربها قال أجل هي حرام عليك قال فوالله لا أطيعك في هذا فدخل بها قبته فوقع عليها وأرسل الله عز وجل الطاعون في بني إسرائيل وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع فجاء والطاعون يحوس فيهم فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحيته وكان بكر العيزار وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفا والمقلل لهم يقول عشرون ألفا في ساعة من النهار فمن هنالك تعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها الرقبة والذراع واللحى والبكر من كل أموالهم وأنفسها لأنه كان بكر أبيه العيزار ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " - إلى قوله - لعلهم يتفكرون " وقوله تعالى " فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " اختلف المفسرون في معناه فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم عن أبي النضر أن بلعاما اندلع لسانه على صدره فتشبيهه بالكلب في لهيثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر وقيل معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الايمان وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه وإن تركته هو يلهث في الحالين فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الايمان ولا عدمه كما قال تعالى " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " ونحو ذلك. وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره وقوله تعالى " فاقصص القصص لعلهم يتفكرون " يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " فاقصص القصص لعلهم " أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب في غير طاعة ربه بل دعا به على حزب الرحمن وشعب الايمان أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان كليم الله موسى بن عمران عليه السلام ولهذا قال " لعلهم يتفكرون " أي فيحذروا أن يكونوا مثله فإن الله قد أعطاهم علما وميزهم على من عداهم من الاعراب وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته وموازرته كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد أحل الله به ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة وقوله " ساء مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا " يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه واتبع هواه صار شبيها بالكلب وبئس المثل مثله وهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " وقوله " وأنفسهم كانوا يظلمون " أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى وطاعة المولى إلى الركون إلى دار البلى والاقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.
من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون (178)