من آخر، على ما نذكره.
وقلنا ذلك لأنه لا بد لكل شئ حسن أو قبيح من وجه له كان كذلك لولا ذلك لم يكن ما حسن بالحسن أولى من القبح، ولا ما قبح بالقبح أولى من الحسن، فلا يخلوا أن الوجه كونها كذلك كالصدق والانصاف والظلم والكذب، أو الأمر والنهي (1) على ما يقوله المجبرة، أو كون ذلك شكر النعمة على ما يقوله بعض أهل العدل، أو كون الترك في العبادات مفسدة وفي القبائح مصلحة، أو ما يقوله من كون فعل العبادات مصلحة وفعل القبائح مفسدة.
والقسم الأول ظاهر الفساد لأنه يقتضي أن يكون كل من علم الصلاة أو الزكاة علم وجههما وإن (2) لم يختلف وجوبهما وقبح القبائح في الأزمان والأعيان كالصدق والكذب، والمعلوم خلاف ذلك.
والقسم الثاني فاسد أيضا من حيث وجب كون المأمور على صفة لها حسن الأمر به قبل تعلق الأمر والنهي على صفة لها حسن النهي عنه قبل تعلقه به، وذلك مانع من وقوف وجه الحسن على الأمر والقبح على النهي، وإنما كشف الأمر والنهي منه سبحانه عن حسن المأمور وقبح المنهي لكونه تعالى حكيما لا يأمر بقبيح ولا ينهى عن حسن. ولأن الأمر والنهي لو أقتضيا الحسن والقبح لاقتضيا ذلك في كل موضع، فكان يقبح الصدق للنهي عنه ويحسن الكذب للأمر به، والمعلوم خلاف ذلك. ولأن صحة الأمر والنهي فرع للعلم بصدق الرسول الموقوف على النظر الواجب عن الخوف من فوت المصالح وتعلق المفاسد الحاصل قبل فعله، فوقوف حسن الشرائع وقبحها على الأمر والنهي