النجاسة عن الأوصاف لا يخرجها عن تنجيس ما تلاقيه، والمنجس ليس هو أوصافها وإنما المنجس عينها. على أن الخلو عن الأوصاف غالبا إنما يكون بعارض من خارج لا من أصل الخلقة، كما هو المشاهد في جميع المطعومات والمرئيات، وحينئذ فكما يقدر خلو الماء عن ذلك الوصف الموافق للون النجاسة لكونه عارضا، ينبغي أن يقدر خلو النجاسة عن هذا العارض الذي أزال وصفها.
(الثانية) هل المعتبر على تقدير القول بالتقدير هو الوصف الأشد للنجاسة كحدة الخل وذكاء المسك وسواد الحبر، لمناسبة النجاسة تغليظ الحكم. أو الوسط لأنه الأغلب؟ ظاهر العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى الأول، وبعض المتأخرين الثاني، واستظهره المحقق الثاني ورجحه في المعالم، واحتمل بعض فضلاء متأخري المتأخرين اعتبار الأقل تغليبا لجانب الطهارة. والظاهر أن الأوسط أوسط.
واحتمل المحقق الثاني (قدس سره) أيضا اعتبار أوصاف الماء وسطا، نظرا إلى شدة اختلافها كالعذوبة والملوحة والرقة والغلظة والصفاء والكدرة، قال: " ولا يبعد اعتبارها، لأن له فيها أثرا بينا في قبول التغير وعدمه " انتهى قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: " وهو محتمل حيث لا يكون الماء على الوصف القوي، إذ لا معنى لتقديره حينئذ بما هو دونه " انتهى. واستشكله أيضا بعضهم بما إذا لم يكن الماء خارجا عن أوصافه الأصلية.
(الثالثة) لو لم يكن الماء على الصفات الأصلية كسائر المياه كالمياه الزاجية والكبريتية وكانت النجاسة على صفاتها ولم تغيره باعتبار ما هو عليه من الصفات، لكن لو فرض خلوه منها لغيرته، فهل يجب التقدير هنا أم لا؟ لم أقف لأحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) على كلام في ذلك. ومقتضى النظر أن الكلام هنا كالكلام فيما لو تغير الماء بجسم طاهر يوافق لونه لون النجاسة، ومقتضى حكمهم بوجوب التقدير، هناك هو وجوبه هنا أيضا.