فإن الحكم بالطهارة والنجاسة تابع للدلالة الشرعية، وليس للعقل فيه مدخل بوجه، ونحن إنما حكمنا بطهارة الأجزاء الباقية بعد الامتزاج لما ذكرتموه من الاجماع على حصول الطهارة للمجموع بذلك، وهذا لا يستلزم الحكم بطهارة ما لم يحصل فيه امتزاج أصلا بمجرد الاتصال. لعدم شمول الدليل المذكور له. ولأنه ربما كان لممازجة البعض مدخل في التطهير فلا يتم الاكتفاء بمجرد الاتصال.
و (على الثالث) أنه موقوف على وجود دليل على أن الماء يطهر نفسه، والأدلة العامة الدالة على كونه طهورا (1) غاية ما تدل عليه كونه مطهرا في الجملة.
وضم الاجماع في تتمة الاستدلال بها لا يتم في مقام النزاع (2) والخاصة الواردة في جزئيات الأحكام إنما تدل على كونه مطهرا لغيره، بل ربما دل حديث " أنه يطهر ولا يطهر " (3) بظاهرة على عدم وقوع التطهير هنا.
والقول الفصل في المقام أن يقال: لما كان الحكم المذكور غير منصوص فالواجب فيه رعاية الاحتياط الذي به يحصل يقين البراءة. لما عرفت في المقدمة الرابعة (4) من أن الاحتياط في مثل هذا الموضع واجب. وهو لا يحصل إلا بالقول بالامتزاج على وجه يستهلك الماء النجس في جنب الماء الطاهر.
ويؤيد ذلك ما قدمنا (5) من معنى حديث " الماء يطهر ولا يطهر " يحمل كونه لا يقبل التطهير على الممازجة لاضمحلاله واستهلاكه.