قوله تعالى:
(وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا (17) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) (19) ثلاث آيات بلا خلاف.
اخبر الله تعالى بأنه أهلك من القرون من بعد نوح، أمما كثيرة، لان " كم " يفيد التكثير ضد (رب) الذي يفيد التقليل، (والقرن) قيل: مئة وعشرون سنة - في قول عبد الله ابن أبي أو في وقال محمد بن القاسم المازني: هو مئة سنة، وقال قوم: هو أربعون سنة. وأدخلت الباء في قوله " كفى بربك " للمدح: كما تقول: ناهيك به رجلا، وجاد بثوبك ثوبا، وطاب بطعامك طعاما وأكرم به رجلا، وكل ذلك في موضع رفع، كما قال الشاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه * كفى الهدى عما غيب المرؤ مخبرا (1) فرفع لما اسقط الباء. والمعنى: كفى ربك عالما وحسيبا بذنوب عباده بصيرا بها، ثم قال " من كان يريد " المنافع " العاجلة " في الدنيا عجلنا له فيها " يعني في الدنيا القدر الذي نريده لمن نريد، لا على قدر ما يريدون، لان ما يريدونه ربما كانت فيه مفسدة، لا يجوز إعطاؤهم إياه، ثم بين انه إذا أعطاهم ما طلبوه عاجلا جعل لهم جهنم جزاء، على معاصيهم وكفرهم يصلونها مذمومين مدحورين، اي في حال ذمنا إياهم، يقال: ذأمته، وذمته، وذممته بمعنى واحد