القبائح العقلية، اللهم إلا أن يفرض أن في بعثه الرسول لطفا، فإنه لا يحسن من الله تعالى مع ذلك أن يعاقب أحدا إلا بعد أن يعرفه ما هو لطف له ومصلحة لتزاح علته. وقيل: معناه " وما كنا معذبين " بعذاب الاستئصال والاهلاك في الدنيا " حتى نبعث رسولا ".
وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبرة: من أن الله يعذب أطفال الكفار بكفر آبائهم، لأنه بين أنه لا يأخذ أحدا بجرم غيره.
قوله تعالى:
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) (16) آية بلا خلاف.
قرأ يعقوب " آمرنا " بمد الهمزة. وعن الحسن " أمرنا " بالتشديد، وروي عنه " أمرنا " بكسر الميم خفيفة وهي ردية.
ذكر في هذه الآية وجوه أربعة:
أحدها - ان مجرد الاهلاك لا يدل على أنه حسن أو قبيح، بل يمكن وقوعه على كل واحد من الامرين، فإذا كان واقعا على وجه الظلم، كما قبيحا، وإذا كان واقعا على وجه الاستحقاق أو على وجه الامتحان، كان حسنا، فتعلق الإرادة به لا يقتضى تعلقها على الوجه القبيح. وإذا علمنا أن القديم لا يفعل القبيح، علمنا أن إرادته الاهلاك على الوجه الحسن.
وقوله " أمرنا مترفيها المأمور به محذوف، وليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق وان وقع بعده الفسق، بل لا يمتنع أن يكون التقدير: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرناهم بالطاعة، ففسقوا فيها فحق عليها القول، وجرى ذلك مجرى قولهم: أمرته فعصى ودعوته فأبى، والمراد أمرته بالطاعة ودعوته إلى الإجابة والقبول، فعصى.