ذلك على لسان بعض رسله وهو الأليق، لأنه لا يصح ان يكلمه الله بلا واسطة في زمان التكليف. وقال آخرون: كلمه، بالانكار عليه والإهانة له، كما قال " اخسؤوا فيها ولا تكلمون " (1). هذا ينبغي أن يكون حكاية عما يقوله له في الآخرة، فقال إبليس مجيبا لهذا الكلام: ما كنت بالذي اسجد لبشر " خلقته من صلصال من حما مسنون " وقد فسرناه. ولم يعلم وجه الحكمة في ذلك، لان في ذلك قلبا للشئ عن الحالة الحقيرة في الضعة إلى هذه الحالة الجليلة، وأي ذلك كان، فإنه لا يقدر عليه غير الله، وانه لا ينتفع للعظم في الصفة مع إمكان قلبه إلى النقص في الصفة، وكذلك لا يضر النقص في الصفة، مع إمكان قلبه إلى الأعظم، فلو نظر في ذلك لزالت شبهته في خلقه من نار وخلق آدم من طين، قال المبرد: قوله " مالك ألا تكون " (لا) زائدة مؤكدة، والتقدير ما منعك ان تسجد، ف (أن) في قول الخليل وأصحابه في موضع نصب، لأنه إذا حذف حرف الجر ونصب ما بعده، وقال غيره: في موضع خفض، لان المعنى ما منعك من أن تكون، فحذف (من) قوله تعالى:
(قال فاخرج منها فإنك رجيم (34) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين (35) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36) قال فإنك من المنظرين (37) إلى يوم الوقت المعلوم) (38) خمس آيات بلا خلاف.
هذا خطاب من الله تعالى لإبليس لما احتج لامتناعه من السجود لآدم بما ليس بحجة، بل هو حجة عليه، فاخرج منها.
قال الجبائي: أمره بالخروج من الجنة. وقال غيره أمره بالخروج من السماء.