من جهته تعالى، ويجوز أن يكون في نجاة شعيب، ومن آمن معه لطف لمن سمع بأخبارهم فيؤمن، كما أنه متى كان في نجاة الظالمين لطف وجب تخليصهم، وكذلك إن كان المعلوم من حال الكافر انه يؤمن فيما بعد وجب تبقيته - عند أبي علي ومن وافقه - وعند قوم آخرين لا يجب.
وقوله " وأخذت الذين ظلموا الصيحة " أنث الفعل ههنا لأنه رده إلى الصيحة، وفيما قبل (1) ذكر، لأنه رده إلى الصياح.
وقوله " فأصبحوا في ديارهم جاثمين " قال الجبائي: معناه منكبين على وجوههم.
وقال قوم: الجثو على الركب. وقال قوم: معناه خامدين موتى. قال البلخي يجوز أن تكون الصيحة صيحة على الحقيقة، كما روي أن الله تعالى امر جبرائيل فصاح بهم صيحة ماتوا كلهم من شدتها، ويجوز أن يكون ضربا من العذاب أهلكهم واصطلمهم تقول العرب: صاح الزمان بآل فلان إذا هلكوا. قال امرؤ القيس:
دع عنك نهبا صيح في حجراته * ولكن حديث ما حديث الرواحل (2) (معنى صيح في حجراته) اي أهلك وذهب به.
قوله تعالى:
(كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) (96) آية بلا خلاف.
شبه الله تعالى هلاك قوم شعيب وانقطاع آثارهم منها بحالهم لو لم يكونوا فيها يقال: غنى بالمكان إذا أقام به على وجه الاستغناء به عن غيره. واتخاذه وطنا ومأوى يأوي إليه، ولذلك قيل للمنازل المغاني، وإنما شبه حالهم بحال ثمود خاصة، لأنهم أهلكوا بالصيحة كما أهلكت ثمود مثل ذلك مع الرجفة.