قوله تعالى:
(قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولا غوينهم أجمعين (39) إلا عبادك منهم المخلصين) (40) آيتان بلا خلاف.
لما أجاب الله تعالى إبليس إلى الانظار إلى يوم الوقت المعلوم، قال عند ذلك يا رب " بما أغويتني " اي فيما خيبتني من رحمتك، لان الغي الخيبة قال الشاعر.
فمن يلق خيرا يحمد الناس امره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (1) وقال قوم: معناه بما نسبتني إلى الغي ذما لي، وحكمت علي بالغي. وقال البلخي: معناه فيما كلفتني السجود لآدم الذي غويت عنده، فسمي ذلك غواية، كما قال " فزادتهم رجسا إلى رجسهم " (2) لما ازدادوا عندها، على أن هذا حكاية قول إبليس، ويجوز أن يكون اعتقد ان الله خلق فيه الغواية، فكفر بذلك، كما كفر بالامتناع من السجود.
والباء في قوله " فبما أغويتني " قيل في معناها قولان:
أحدهما - ان معناها القسم، كقولك بالله لأفعلن.
والآخر - بخيبتي " لأغوينهم " كأنها سبب لاغوائهم، كقولك بمعصيته ليدخلن النار، وبطاعته ليدخلن الجنة.
والاغواء الدعاء إلى الغي، والاغواء خلاف الارشاد، فهذا أصله، وقد يكون الاغواء بمعنى الحكم بالغي، على وجه الذم والتزيين جعل الشئ منقلبا في النفس من جهة الطبع والعقل، بحق أم بباطل. واغواء الشيطان تزيينه الباطل حتى يدخل صاحبه فيه، ويرى ان الحظ بالدخول فيه. و " لأغوينهم " اي أدعوهم إلى ضد الرشاد، ثم استثنى من جملتهم عباد الله المخلصين الذين أخلصوا عبادتهم لله وامتنعوا من إجابة الشيطان، في ارتكاب المعاصي، لأنه ليس للشيطان عليهم