وقوله " خلت من قبلهم المثلاث " أي مضت بانقضائها كمضي أهل الدار عنها، يقال: خلت الديار بهلاك أهلها وخلوهم بخلو مكانهم منها، والمثلاث العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله واحدها مثلة مثل سمرة وصدقة، وفي الجمع سمرات وصدقات، ويقال مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء، وأمثلته من صاحبه إمثالا إذا قصصته منه وتميم تقول: مثلة على وزن غرفة، ثم قال " وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " على وجه الاخبار عن نفسه بالرحمة بخلقه والتفضل عليهم بأنه يغفر للناس على كونهم ظالمين وذلك يدل على بطلان قول من قال إن أصحاب الكبائر لا يجوز ان يعفو الله عنهم إلا بالتوبة، لأنه تعالى لم يشرط في ذلك التوبة ومن شرط في الآية التوبة أو خصها بالصغائر كان تاركا للظاهر.
وقوله " وان ربك لشديد العقاب " اخبار منه تعالى بأنه كما يغفر تارة مع الظلم، كذلك قد يعاقب مع الاصرار عذابا شديدا فلا تغتروا بذلك ولا تعولوا على مجرد العفو لأنه يجوز ان لا يعفو.
قوله تعالى:
(ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (8) آية بلا خلاف.
اخبر الله تعالى ان هؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم يقولون هلا انزل على محمد آية يقترحونها مثل ما حكى الله عنهم من نحو تفجير الأنهار بحيث سألوا سقي البلاد ونقل جبال مكة عن أماكنها لتتسع على أهلها وإنزال كتاب من السماء إلى الأرض يقرؤن فيه الأمور التي دعاهم إليها، فقال الله تعالى له ليس أمر بالآيات إليك إنما أمرها إلى الله ينزلها على ما يعلمه من مصالح العباد " وإنما أنت منذر " اي معلم لهم على وجه التخويف لهم معاصي الله وعقابه، " ولكل قوم هاد " يهديهم إلى الحق. وللناس في معناه خمسة أقوال: