وإنما تتبع المصالح، ولو تبعت الشهوات لكان كل واحد يقترح غير ما يقترحه الآخر فيؤدي إلى الفساد.
قوله تعالى:
(وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا (94) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (95) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا) (96) ثلاث آيات بلا خلاف.
يقول الله تعالى وما صرف الناس، يعنى المشركين الذين لم يؤمنوا، وإنما أخبر عنه بالمنع مبالغة له في الصرف، لان المنع يستحيل معه الفعل، والصرف يمكن معه الفعل، لكنه لشدة صرفه شبه بالمنع. وقوله " أن يؤمنوا " اي ما صرفهم عن التصديق بالله ورسوله حين جاءهم الهدى، يعنى الحجج والبينات، وطريق الحق إلا قولهم " أبعث الله بشرا رسولا " فدخلت عليهم الشبهة في أنه لا يجوز من الله أن يبعث رسولا إلا من الملائكة، كما دخلت عليهم الشبهة في أن عبادتهم لا تصلح لله، فوجهوها إلى الأصنام، فعظموا الله تعالى بجهلهم، بما ليس فيه تعظيم.
وهذا فاسد، لان تعظيم الله إنما يكون بأن يشكر على نعمته بغاية الشكر ويحمد غاية الحمد، ويضاف إليه الحق دون الباطل، وهم عكسوا فأضافوا الباطل إليه وما يتعالى عن فعله أو إرادته. وإنما عدلوا عن الهدى إلى الضلال تقليدا لرؤسائهم. واعتقادا للجهل بالشبهة.
فان قيل لم جاز ان يرسل الله إلى النبي - وهو من البشر - ملكا ليس من جنسه؟ ولم يجز أن يرسل إلى غير النبي مثل ذلك؟!