اخبر الله تعالى انه بما فعله بالأمم التي أهلكها لم يظلم أحدا منهم، ولكن ظلموا هم أنفسهم بأن ارتكبوا المعاصي التي استحقوا بها الهلاك فكان ذلك ظلمهم لأنفسهم، وبين انه " ما أغنت عنهم آلهتهم " يعني الأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله ما دفعت عنهم ولا اعانتهم بشئ لما جاء امر الله واهلاكه وعذابه " وما زادوهم غير تتبيب " بمعنى غير تخسير - في قول مجاهد وقتادة - مأخوذ من تبت يده أي خسرت، ومنه تباله، وقال جرير:
عرادة من بقية قوم لوط * ألا تبا لما فعلوا تبابا (1) وإنما قال يدعون من دون الله، لأنهم كانوا يسمونها آلهة ويطلبون الحوائج منها، كما يطلب الموحدون من الله. ومعنى " من دون الله " من منزلته أدنى من منزلة عبادة الله، لأنه من الأدون، وهو الأقرب إلى جهة السفلى.
قوله تعالى:
(وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) (103) آية بلا خلاف.
وجه التشبيه في قوله " وكذلك اخذ ربك " ان اخذه الظالم الذي يساوي من تقدمه في ظلمه وحاله في بطلان الفلاح ببقائه، كأخذه الذي قبله، لأنه ليس هناك محاباة لاحد من خلقه. والاخذ نقل الشئ إلى جهة الآخذ، فلما نقلهم الله إلى جهة عقابه كان قد اخذهم به، والظالم الفاعل للظلم والعادل الفاعل للعدل.
ثم اخبر تعال ان اخذه للظالم مؤلم شديد، والشدة تجمع يصعب معه التفكك، ويقال للنقص شدة، وشدة الألم لجمعه على النفس بما يعسر زواله.