" بل نحن قوم مسحورون " أي يقولون: سحرنا، فنحن مسحورون والسحر حيلة خفية، توهم معنى المعجزة من غير حقيقة، ولهذا من عمل بالسحر كان كافرا، لأنه يدعي المعجزة للكذابين، فلا يعرف نبوة الصادقين.
وقال أبو عبيدة: سكرت أبصار القوم إذا أدير بهم، وغشيهم كالساتر فلم يبصروا.
وروي ابن خالويه عن الزهري أنه قرأ " سكرت " بفتح السين وكسر الكاف، والتخفيف أي اختلطت وتغيرت عقولهم.
قوله تعالى:
(ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16) وحفظناها من كل شيطان رجيم (17) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) (18) ثلاث آيات بلا خلاف.
أخبر الله تعالى أنه جعل في السماء بروجا. والجعل قد يكون تصيير الشئ عن صفة لم يكن عليها. وقد يكون بالايجاد له. والله تعالى قادر ان يجعل في السماء بروجا من الوجهين، والبرج: ظهور منزل ممتنع بارتفاعه، فمن ذلك برج الحصن، وبرج من بروج السماء الاثني عشر، وهي منازل الشمس والقمر.
وأصله الظهور، يقال: تبرجت المرأة إذا أظهرت زينتها. وقال الحسن ومجاهد وقتادة: المراد بالبروج النجوم. وقوله " وحفظناها من كل شيطان رجيم " يحتمل أن تكون الكناية راجعة إلى السماء، والى البروج. وحفظ الشئ جعله على ما ينفي عنه الضياع، فمن ذلك حفظ القرآن بدرسه ومراعاته، حتى لا ينسى، ومنه حفظ المال بإحرازه بحيث لا يضيع بتخطف الأيدي له، وحفظ السماء من كل شيطان بالمنع بما أعد له من الشهاب. والرجم بمعنى المرجوم، والرجم الرمي بالشئ بالاعتماد من غير آلة مهيأة للإصابة، فان النفوس يرمى عنها ولا ترجم.