ذلك للانسان الا في حال التقية، لأنه لا دليل يؤمن من الخطأ عليه، فعلى هذا يلزمه في النبي ان يحسن منه من غير تقية، لكونه معصوما لا يكذب في اخباره ولا خلاف بين أهل العدل أنه لا يجوز اظهار كلمة الكفر إلا مع التعريض بأن ينوي بقلبه ما يخرجه عن كونه كاذبا، فأما على وجه الاخبار، فلا يجوز أصلا لأنه قادر على التعريض الذي يخرج به عن كونه كاذبا.
قوله تعالى:
(ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين (107) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون (108) لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون) (109) ثلاث آيات بلا خلاف.
قوله " ذلك " إشارة إلى ما تقدم ذكره من العذاب العظيم. أخبر الله تعالى ان ذلك العذاب العظيم إنما أعده لهم، لأنهم آثروا الحياة الدنيا، والتلذذ فيها، والركون إليها على الآخرة، والمعنى انهم فعلوا ما فعلوه للدنيا طلبا لها دون طلب الآخرة. والعمل يجب أن يكون طلبا للآخرة، أو للدنيا والآخرة. فأما أن يكون لمجرد الدنيا دون الآخرة فلا يجوز، لأنه إذا طلب الدنيا ترك الواجب من الطاعات لا محالة، وكذلك لا ينبغي أن يختار المباح على النافلة لان النافلة طاعة لله. والمباح ليس بطاعة له. ثم أخبر تعالى " أن الله لا يهدي القوم الكافرين " ومعناه أحد شيئين:
أحدهما - إنه لا يهديهم إلى طريق الجنة والثواب، لكفرهم.
الثاني - إنه لا يحكم بهدايتهم لكونهم كفارا. وأما نصب الدلالة، فقد هدى الله جميع المكلفين، كما قال " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " (1) وقيل: إنهم لم يهتدوا بتلك الأدلة، فكأنها لم تكن نصبت لهم، ونصبت