النطفة بين أيدي الخلائق فاجتهدوا، وفكروا ما قدروا على قلبها، ولا عرفوا كيف يتمكن ويتأتى أن تقلب حالا بعد حال حتى تصير فيها روح، وعقل، وسمع، وبصر، وحتى تنطق وتعرب عن نفسها، وتحتج فتدفع عنها وقيل في معنى " خصيم مبين " قولان:
أحدهما - انه أخرج من النطفة ما هذه صفته، ففي ذلك أعظم العبرة.
والثاني - لما خلقه ومكنه خاصم عن نفسه خصومة أبان فيها عن نفسه. وقيل إنه يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها - تعريف قدرة الله في اخراجه من النطفة ما هذه سبيله.
الثاني - تعريف نعم الله في تبليغ هذه المنزلة من خلق من نطفة.
الثالث - تعريف فاحش ما ارتكب الانسان من تضييع حق الله بالخصومة.
قوله تعالى:
(والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (6) وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم) (7) ثلاث آيات بلا خلاف.
الانعام جمع نعم، وهي الإبل، والبقر، والغنم، سميت بذلك لنعومة مشيها بخلاف ذات الحافر الذي يصلب مشيها. ونصب بفعل مقدر يفسره ما بعده، والتقدير وخلق الانعام خلقها، وإنما نصب لمكان الواو، العاطفة على منصوب قبله. وقوله " خلقها لكم " تمام، لان المعنى خلق الانعام لكم أي لمنافعكم. ثم أخبر، فقال " فيها دف ء " والدف ء ما استدفأت به. وقال الحسن يريد ما استدفئ به من أوبارها، وأصوافها، وأشعارها. وقال ابن عباس: هو اللباس