به، ومثله قولهم: طوقتك كذا، وقلدتك كذا اي ألزمته إياك ومثله، قلده السلطان كذا، اي صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة، وإنما خص إلزام الطائر بالعنق، لأنه إضافة ما يزين من طوق، أو ما يشين من عمل يضاف إلى الأعناق، ولان في عرف الناس ان يقولوا: هذا في رقبتك. وقد يضاف العمل إلى اليد أيضا كما قال " ذلك بما قدمت أيديكم " (1) وإن كان كسبه بفرجه ولسانه، وغير ذلك، وإنما يذم بذلك على وجه التقريع والتبكيت بما فعله من المعاصي، ويكون في العلم بذلك لطف في دار الدنيا، وإن كان الله عالما بتفصيل ما فعلوه.
وقوله " كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " اي حسبك نفسك اليوم حاكما عليك في عملك وما تستحقه من ثواب على الطاعة ومن عقاب على المعصية، لأنه أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك بعملك. وقيل معنى " حسيبا " شاهدا وشهيدا.
وقوله " من اهتدى " يعني فعل الخيرات والطاعات وانتفع بهداية الله إياه " فإنما يهتدي لنفسه " وأن ثواب ذلك واصل إليه " ومن ضل " اي جار عن الحق وعدل عن الصواب وارتكب المعاصي " فإنما يضل عليها " اي يجوز عليها لان عقاب ذلك ووباله واصل إليه، لان الله تعالى قال " لا تزر وازرة وزر أخرى " اي لا يأخذ أحدا بذنب غيره، والوزر الائم، وقيل معناه لا يجوز لاحد أن يعمل الاثم، لان غيره عمله، والأول أقوى.
وقوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " اخبار من الله أنه لا يعاقب أحدا على معاصيه، حتى يستظهر عليه بالحجج وانفاذ الرسل ينبهونه على الحق، ويهدونه إليه ويرشدونه إلى سلوكه، استظهارا في الحجة، لأنه إذا اجتمع داعي العقل وداعي السمع إلى الحق، تأكد الامر وزال الريب فيما يلزم العبد، وليس في ذلك دلالة على أنه لو لم يبعث رسولا لم يحسن منه ان يعاقب إذا ارتكب العبد