اخبر الله تعالى ان الرسل لما يئسوا من فلاح القوم وعلموا ان القوم لقوهم بالتكذيب ونسبوهم إلى الكذب، لان التكذيب نسبة القائل إلى الكذب، وضده التصديق والاستيئاس واليأس انقطاع الطمع " جاءهم نصرنا " اي أتاهم نصر الله باهلاك من كذبهم ولا يرد بأسنا فالبأس شدة الامر على النفس يقال له بأس في الحرب والبئيس الشجاع لشدة أمره. ومنه البؤس الفقر والبائس الفقير " عن القوم المجرمين " يعني المخطئين الذين اقترفوا السيئات.
قوله تعالى:
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (111) آية بلا خلاف.
أخبر الله تعالى ان في قصص الأمم الماضين التي ذكرها دلالة لذوي العقول على تصديق الرسل وان ما أخبرناك به لم يكن حديثا كذبا. والحديث الاخبار عن حوادث الزمان وتسميته بأنه حديث يدل على أنه حادث، لان القديم لا يكون حديثا، والافتراء القطع بالمعنى على خلاف ما هو به وأصله القطع من قولهم قريت الأديم فريا إذا قطعته، ووجه الاعتبار بتلك القصص ان الذي قدر على إعزاز يوسف بعد القائه في الجب واعلائه بعد حبسه في السجن وتمليكه مصر بعد إن كان كبعض أهلها في حكم العبيد وجمعه بينه وبين والديه وإخوته على ما أحبوا بعد مدة طويلة وشقة بعيدة لقادر ان يعز محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلي كلمته وينصره على من عاداه.
وقوله " ولكن تصديق الذي بين يديه " معناه تصديق الكتب التي قبله من التوراة، والإنجيل وغيرهما من كتب الله في قول الحسن وقتادة. وإنما قيل لما تفسير التبيان ج 6 - م 14