وقوله " إنما يتذكر أولوا الألباب " معناه إنما ينتفع بالذكر من كان له لب، كقولك: إنما يترك السرف والبغي من له عقل وعلم بالعواقب، وإن كان كثير ممن له عقل لا يترك ذلك ولا يفكر في العواقب.
قوله تعالى:
(الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) (22) آية بلا خلاف.
موضع " الذين " رفع لأنه صفة لأولي الألباب، فكأنه قال إنما يتذكر أولوا الألباب الذين صفتهم أنهم يوفون بعهد الله ولا ينقضون مواثيقه. والايفاء جعل الشئ على المقدار من غير زيادة ولا نقصان، والعهد العقد المتقدم على الامر بما يفعل، والنهي عما يجتنب يقال: عهد لله عهدا، وعاهده معاهدة. وتعهده تعهدا وتعاهده تعاهدا، والنقض حل العقد بفعل ما ينافيه، والنقيض معنى تنافي صحته صحة غيره. والنقض في المعاني إيجاد ما لا يمكن ان يصح مع غيره، كاعتقاد ان زيدا في الدار وليس هو فيها على وجه واحد. والميثاق العهد الواقع على إحكام. توثق توثقا واستوثق استيثاقا، وواثقه مواثقة، ووثق به وثوقا وارثقه ايثاقا، ووثقه توثيقا.
والعهد الذي جعله في عقول العباد ما جعل فيها من اقتضاء صحة أمور الدين وفساد أمور أخر، كاقتضاء الفعل الفاعل، وأنه لا يصح الفعل الا أن يكون فاعله قادرا، وان المحكم لا يصح الا من عالم، وان الصانع لابد ان يرجع إلى صانع غير مصنوع، والا أدى إلى ما لا نهاية له، وان للعالم مدبر لا يشبهه، ولا يحتاج إلى مدبر لحاجته وما أشبه ذلك. وقد يكون أيضا على العهد الذي عاهد عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الآية دلالة على وجوب الوفاء بالعهود التي تنعقد بين الخلق سواء كان بين المسلمين أو الكفار، من الهدنة وغيرها.