عالم بذلك لنفسه. وقوله " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولا جان " (1) اي لا يسأل ليعلم ذلك منه حيث إنه تعالى قد علم اعمالهم قبل ان يعملوها. وقيل إن معناه إنه لا يسأل عن ذنب المذنب إنس ولا جان غيره، وإنما يسأل المذنب لا غير، وكذلك قوله " يوم لا ينطقون " (2) أي لا ينطقون بحجة، وإنما يتكلمون بالاقرار بذنوبهم ولوم بعضهم بعضا، وطرح بعضهم على بعض الذنوب، فاما المتكلم بحجة، فلا. وهذا كما يقول القائل لمن يخاطبه بخطاب كثير فارغ من الحجة: ما تكلمت بشئ، وما نطقت بشئ، فسمي من يتكلم بمالا حجة فيه له: غير متكلم، كما قال " صم بكم عمي فهم لا يعقلون " (3) وهم كانوا يبصرون ويسمعون إلا انهم لا يقبلون ولا يكفرون فيما يسمعون، ولا يتأملون، فهم بمنزلة الصم، قال الشاعر:
أصم عما ساءه سميع (4) وقال بعضهم ان ذلك اليوم يوم طويل له مواضع، ومواطن، ومواقف، في بعضها يمنعون من الكلام، وفي بعضها يطلق لهم ذلك بدلالة قوله " يوم يأتي لا تكلم نفس إلا باذنه " وكلاهما حسن والأول أحسن.
قوله تعالى:
(فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (107) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (108) آيتان بلا خلاف.
أخبر الله تعالى في هذه الآية ان الذين شقوا باستحقاقهم عذاب النار جزاء بسوء اعمالهم داخلون في النار، وإنما سمي الشقي شقيا قبل دخوله في النار، لأنه