ومن قرأ بالنون كان المعنى كقول من قدر أن الفعل ما تقدم من اسم الله وجاز ان تنسب المساءة إلى الله، وإن كانت من الذين جاسوا خلال الديار في الحقيقة، لأنهم فعلوها بقدرة لاله وتمكينه، فجاز ان تنسب إليه، كما قال " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " (1) ويجوز أن يكون اللام في قوله " ليسؤوا " وليدخلوا " " وليتبروا " لام العاقبة، لان الله لا يريد منهم ذلك من حيث كان ذلك ظلما وفسادا.
يقول الله تعالى لخلقه من المكلفين " إن أحسنتم " اي فعلتم الأفعال الحسنة من الانعام إلى الغير، والافعال الجميلة التي هي طاعة " أحسنتم لأنفسكم "، لان ثواب ذلك، واصل إليكم " وإن أسأتم " إلى الغير وظلمتموه " أسأتم " لأنفسكم لان وبال ذلك وعقابه واصل إليكم، وإنما قال " فلها " ليقابل قوله " أحسنتم لأنفسكم " والمعنى ان أسأتم فإليها، كما يقال: أحسن إلى نفسه ليقابل أساء إلى نفسه، على أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض إذا تقاربت معانيها، قال تعالى " بأن ربك أوحى لها " (2) والمعنى أوحى إليها. ومعنى أنت في منتهى لإساءة، وأنت المختص بالإساءة، متقارب.
" فإذا جاء وعد الآخرة " يعني وعد المرة الآخرة " ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد " يعني المبعوثين عليكم " كما دخلوه " في المرة الأولى يعنى غيرهم، لان هؤلاء بأعيانهم لم يدخلوها في الدفعة الأولى " وليتبتروا ما علوا تتبيرا " فالتبار والهلاك، والدمار واحد، وكل ما انكسر من الزجاج والحديد والذهب تبر. ومعنى " ما علوا تتبيرا " ما غلبوا عليه، وجواب (إذا) محذوف وتقديره: فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم. وقيل: بعثناهم ليسؤوا قوله تعالى:
(عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم