والثاني - " انكم لكاذبون " في قولكم إنا دعوناكم إلى العبادة.
وقيل: انكم لكاذبون بقولكم إنا آلهة.
وإلقاء المعنى إلى النفس إظهاره لها، حتى تدركه متميزا من غيره، فهؤلاء ألقوا القول حتى فهموا عنهم انهم كاذبون.
وقوله " وألقوا إلى الله يومئذ السلم " معناه استسلموا بالذل لحكم الله - في قول قتادة - " وضل عنهم ما كانوا يفترون " اي يضل ما كانوا يأملونه ويقدرون من أن آلهتهم تشفع لهم. ثم أخبر تعالى ان الذين يكفرون بالله ويجحدون وحدانيته، ويكذبون رسله، ويصدون غيرهم عن اتباع الحق الذي هو سبيل الله " زدناهم عذابا فوق العذاب ". قال ابن مسعود: أفاعي وعقارب النار لها أنياب كالنخل الطوال جزاءا " بما كانوا يفسدون " في الأرض.
قوله تعالى:
(ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (89) آية بلا خلاف.
يقول الله تعالى إن اليوم الذي " نبعث في كل أمة شهيدا " اي من يشهد " عليهم من أنفسهم " اي من أمثالهم من البشر. ويجوز أن يكون ذلك نبيهم الذي بعث إليهم، ويجوز ان يكونوا مؤمنين عارفين بالله ونبيه، ويشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي.
وفي ذلك دلالة على أن كل عصر لا يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره، عدل عند الله، وهو قول الجبائي، وأكثر أهل العدل، وهو قولنا وإن خالفناهم في من هو ذلك العدل والحجة.
تفسير التبيان ج 6 م 27