وقوله " ما كان لنا ان نشرك بالله من شئ " إخبار من يوسف أنه ليس له، ولا لاحد من آبائه أن يشرك بالله شيئا، ودخلت (من) للنفي العام، والاشراك بلوغ منزلة الجمع لعبادة غير الله إلى عبادته - في عظم الجرم. واليهودي مشرك، لأنه بكفره بالنبي قد بلغ تلك المنزلة في عظم الجرم. وقوله " ذلك من فضل الله علينا " اعتراف منه ان ذلك العدول عن عبادة غير الله هو من فضل الله عليهم من حيث كان بلطفه وهدايته وتوفيقه. والفضل النفع الزائد على مقدار الواجب بوجوب الدين الذي يستحق به الشكر، وكل ما يفعله الله تعالى بالعبد، فهو فضل من فضله. والعقاب أيضا فضل، لأنه زجر به عن المعاصي. وقيل ذلك من فضل الله علينا ان جعلنا أنبياء وعلى الناس ان جعلنا رسلا إليهم - في قول ابن عباس - وقوله " على الناس " دال على أن الله قد عم جميع خلقه بفضله وهدايته إياهم إلى التوحيد والايمان.
قوله تعالى:
(يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) (39) آية.
هذه حكاية ما نادى به يوسف للمستفتين له عن تأويل رأياهما، فقال لهما " يا صاحبي السجن " اي يا ملازمي السجن. والصاحب الملازم لغيره على وجه الاختصاص بوجه من الوجوه، وهو خلاف ملازمة الاتصال، ولذلك قيل أصحاب مالك، وأصحاب الشافعي للاختصاص بمذاهبهما، وأصحاب النبي لملازمتهم له، والكون معه في حروبه، وصاحبا السجن هما الملازمان له بالكون فيه.
والسجن هو الحبس الذي يمنع من التصرف قال الفرزدق:
وما سجنوني غير اني ابن غالب * واني من الاثرين غير الزعانف (1)