عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها " فتكونوا إن فعلتم ذلك كامرأة غزلت غزلا، وقوت قوته وأبرمت، فلما استحكم نقضته، فجعلته أنكاثا أي أنقاضا، وهو ما ينقض من اخلاق بيوت الشعر والوبر ليعزل ثانية، ويعاد مع الجديد، ومنه قيل: لم بايع طائعا ثم خرج عليك ناكثا؟ لأنه نقض ما وكده على نفسه بالايمان والعهود كفعل الناكثة غزلها.
ومعنى " أن تكون " لان تكون " أمة " أعز من أمة، وقوم أعلى من قوم، يريد لا تقطعوا بأيمانكم حقوقا لهؤلاء، فتجعلوها لهؤلاء. وقال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء، فإذا وجدوا أكثر منهم نقضوا حلف هؤلاء، وحالفوا أولئك الذين هم أعز، فنهاهم الله عن ذلك.
وقوله " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " اخبار منه تعالى عن أن العباد إذا خالفوا أمره لم يعاجزوه، ولم يغالبوه تعالى عن ذلك، لأنه لو يشاء لأكرههم على أن يكونوا أمة واحدة، لكنه يشاء أن يجتمعوا على الايمان، على وجه يستحقون به الثواب. ومثله قوله " ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض ") كذلك قال سبحانه - ههنا - ولكن ليمتحنكم ويختبركم لتستحقوا النعيم الذي أراده لكم، فيضل قوم، ويستحقوا الاضلال عن طريق الجنة، والحكم عليهم بأنهم ضالون. ويهتدي آخرون، فيستحقوا الهدى يعني الحكم لهم بالهداية، وإرشادهم إلى طريق الجنة. ثم قال " ولتسألن " يا معشر المكلفين " عما كنتم تعملون " في الدنيا من الطاعات والمعاصي، فتجازون عليه بقدره.
قوله تعالى:
و (ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم (94)