يقترحونها، ويعلمون انها أنزلت من ربه، وذلك لما لم يستدلوا، فيعلموا مدلول الآيات التي اتى بها لم يعتدوا بتلك الآيات، فقالوا هذا القول جهلا منهم بها، فأمر الله نبيه ان يقول لهم " ان الله يضل من يشاء " بمعنى انه يحكم على من يشاء بالضلال إذا ضل عن طريق الحق، ويجوز أن يكون المراد " يضل من يشاء " عن طريق الجنة بسوء أفعالهم وعظم معاصيهم، ولا يجوز ان يريد بذلك الاضلال عن الحق، لان ذلك سفه لا يفعله الله تعالى.
وقوله " ويهدي إليه من أناب " اي يحكم لمن رجع إلى طاعة الله والعمل بها بالجنة ويهديه إليها. والهداية الدلالة التي تؤدي إلى طريق الرشد بدلا من طريق الغي، والمراد بها - ههنا - الحكم له بسلوك طريق الجنة رفعا لقدره، ومدحا لصاحبه. والاضلال العدول بالمار عن طريق النجاة إلى طريق الهلاك، والمراد - ههنا - الحكم له بالعدول عن طريق الجنة وسلوك طريق النار، والإنابة الرجوع إلى الحق بالتوبة، يقال: ناب ينوب نوبة إذا رجع مرة بعد مرة.
قوله تعالى:
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (30) آية بلا خلاف.
موضع " الذين " نصب، لأنه من صفة من أناب، وتقديره ويهدي الله الذين أنابوا إلى الله " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله " والايمان - ههنا - هو الاعتراف بتوحيد الله على جميع صفاته، والاقرار بنبوة نبيه، وقبول ما جاء به من عند الله، والعمل بما أوجبه عليهم، وفي اللغة: الايمان هو التصديق.
وقوله " وتطمئن قلوبهم بذكر الله " أي تسكن قلوبهم وتأنس إلى ذكر الله الذي معه ايمان به، لما في ذلك من ذكر نعمه التي لا تحصى وآياديه التي لا تجازى، مع عظيم سلطانه وبسط إحسانه. والذكر حضور المعنى للنفس، وقد يسمى العلم ذكرا، والقول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس يسمى ذكرا. ووصف الله