يخليني من حسن نظره كعادته في أسلافنا الطيبين.
فأما عسكره ففارقوه، وأما أهله والأدنون من أقربائه فأبوا وقالوا: لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك، ويصيبنا ما يصيبك، وإنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك.
فقال لهم: فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأن الله وإن كان خصني - مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا - من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال الكريهات [المكروهات]، فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى، واعلموا أن الدنيا حلوها ومرها حلم، والانتباه في الآخرة، والفائز من فاز فيها، والشقي من شقي فيها، أو لا أحدثكم بأول أمرنا وأمركم معاشر أوليائنا ومحبينا والمعتصمين المتعصبين لنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له مقرون؟
قالوا: بلى، يا ابن رسول الله!
قال: إن الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) أشباحا خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش، فأمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له، أنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها الآفاق، فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله، وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت وقد تواضعت لها الملائكة كلها واستكبر وترفع وكان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين. (1)