لهجوم الخيل على مخيمنا يوم تحملون ويحملون. ثم رجع وهو قابض على يساري ويقول: هي هي، والله! وعد لا خلف فيه!
ثم قال: يا هلال! ألا تسلك ما بين هذين الجبلين من وقتك هذا وانج بنفسك. فوقع على قدميه وقال: إذا ثكلت هلالا أمه! سيدي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فو الله الذي من علي بك لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري.
ثم فارقني ودخل خيمة أخته، فوقفت إلى جنبها رجاء أن يسرع في خروجه منها، فاستقبلته ووضعت له متكئا وجلس يحدثها سرا، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها وقالت: وا أخاه! أشاهد مصرعك وأبتلى برعاية هذه المذاعير من النساء والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم، ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هؤلاء الفتية الصفوة وأقمار بني هاشم! ثم قالت: أخي، هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة!
فبكى (عليه السلام) وقال: أما والله! لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم [إلا] الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه.
فلما سمع هلال ذلك بكى رقة ورجع، وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر، فرآه جالسا وبيده سيف مصلت، فسلم عليه وجلس على باب الخيمة.
ثم قال له: ما أخرجك يا هلال!؟ فحكيت له ما كان، فقال: إي والله! لولا انتظار أمره لعاجلتهم، وعالجتهم هذه الليلة بسيفي!
ثم قال هلال: يا حبيبي! فارقت الحسين (عليه السلام) عند أخته وهي في حال وجل ورعب، وأظن أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة والزفرة، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه، فقال له: طوع إرادتك!