كلامه (عليه السلام) مع محمد بن الحنفية [291] - 74 - ابن أعثم:
تهيأ الحسين بن علي (عليهما السلام)، وعزم على الخروج من المدينة، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فصلى عند قبرها وودعها، ثم قام عن قبرها وصار إلى قبر أخيه الحسن ففعل مثل ذلك ثم رجع إلى منزله، وفي وقت الصبح أقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية، وقال: يا أخي فدتك نفسي! أنت أحب الناس إلى وأعزهم علي، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق، وليس أحد أحق بها منك، لأنك كنفسي وروحي، وكبير أهل بيتي، ومن عليه اعتمادي وطاعته في عنقي، لأن الله تبارك وتعالى قد شرفك وجعلك من سادات أهل الجنة، وإني أريد أن أشير عليك برأيي فاقبله مني.
فقال له الحسين (عليه السلام): قل ما بدا لك!
فقال: أشير عليك أن تنجو نفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار [الأنصار] ما استطعت، وأن تبعث رسلك إلى الناس وتدعوهم إلى بيعتك...
فقال له الحسين (عليه السلام): يا أخي! إلى أين أذهب.
قال: اخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار فذاك الذي تحب وأحب، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس، وأرقهم قلوبا، وأوسع الناس بلادا وأرجحهم عقولا، فإن اطمأنت بك أرض اليمن وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وصرت من بلد إلى بلد، لتنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين.