قال (صلى الله عليه وآله): إنما بعثت رحمة، رب اهد أمتي فإنهم لا يعلمون! ويحك يا يهودي!
إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القربة، وأظهر عليهم شفقة، فقال:
﴿رب إن ابني من أهلي﴾ (١) فقال الله تعالى: ﴿إنه وليس من أهلك إنه عمل غير صلح﴾ (2) أراد جل ذكره أن يسليه بذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة، ولم تدركه فيهم رقة القرابة، ولم ينظر إليهم بعين رحمة.
فقال اليهودي: فإن نوحا دعا ربه، فهطلت السماء بماء منهمر؟
قال له (عليه السلام): لقد كان كذلك، وكانت دعوته دعوة غضب، ومحمد (صلى الله عليه وآله) هطلت له السماء بماء منهمر رحمة، وذلك أنه (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له: يا رسول الله! احتبس القطر، واصفر العود، وتهافت الورق، فرفع يده المباركة حتى رئي بياض إبطه، وما ترى في السماء سحابة، فما برح حتى سقاهم الله، حتى أن الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدة السيل، فدام أسبوعا، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا: يا رسول الله! تهدمت الجدر، واحتبس الركب والسفر، فضحك (صلى الله عليه وآله) وقال: هذه سرعة ملالة ابن آدم، ثم قال: أللهم حوالينا ولا علينا، أللهم في أصول الشيح ومراتع البقع!
فرئي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا، وما يقع بالمدينة قطرة لكرامته (صلى الله عليه وآله) على الله عزوجل!
قال له اليهودي: فإن هذا هود، قد انتصر الله له من أعدائه بالريح، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟