بل هذا مثال العالم بالقسمين معا، التارك لما يعرفه، وهو عين الغرور، فلو ترك هذا العالم جميع ما عرفه، واشتغل بأدنى معرفته وبمعرفة ما يحبه ويكرهه، لكان ذلك أقرب إلى نيله المراد من قربته والاختصاص به. بل تقصيره في العمل، واتباعه للشهوات يدل على أنه لم ينكشف له من المعرفة إلا الأسامي دون المعاني، إذ لو عرف الله حق معرفته لخشيه واتقاه، كما نبه الله عليه بقوله:
إنما يخشى الله من عباده العلماء 1.
ولا يتصور أن يعرف الأسد عاقل، ثم لا يتقيه ولا يخافه، وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام:
خفني كما تخاف السبع الضاري 2.
نعم من يعرف من الأسد لونه وشكله واسمه قد لا يخافه، وكأنه ما عرف الأسد. وفي فاتحة الزبور:
رأس الحكمة خشية الله تعالى 3.
فصل [2] [في الغرور في طلب العلم والمغترين من أهل العلم] وللعالم في تقصيره في العمل بعد أخذه بظواهر الشريعة، واستعمال ما دونه الفقهاء من الصلاة الصيام والدعاء وتلاوة القرآن، وغيرها من العبادات ضروب أخر، فإن الاعمال الواجبة عليه، فضلا عن غير الواجبة، غير منحصرة فيما ذكر، بل من الخارج عن الأبواب التي رتبها الفقهاء ما هو أهم، ومعرفته أوجب والمطالبة به .