الحج، ولكن المقتصر عليه ليس من الحاج في شئ. كذلك هذا الرجل لو لم يتعلم هذه العلوم لتعطلت معرفة الاحكام، إلا أنها ليست المنجية بنفسها، كما حررناه بل هي مقدمة للمقصد الذاتي.
وإذا كان هذا مثال حال الفقيه العارف بشرع الله ورسوله وأئمته ومعالم دين الله، فكيف حال من يصرف عمره في معرفة عالم الكون والفساد الذي مآله محض الفساد، والاشتغال بمعرفة الوجود، وهل هو نفس الموجودات أو زائد عليها أو مشترك بينها، أو غير ذلك من المطالب التي لا ثمرة لها، بل لم يحصل لهم حقيقة ما طلبوا معرفته فضلا عن غيره.
وإنما مثالهم في ذلك مثال ملك اتخذ عبيدا، وأمرهم بدخول داره والاشتغال بخدمته وتكميل نفوسهم فيما يوجب الزلفى لدى حضرته واجتناب ما يبعد من جهته، فلما أدخلهم داره ليشتغلوا بما أمرهم به أخذوا ينظرون إلى جدران داره وأرضها وسقفها حتى صرفوا عمرهم في ذلك النظر وماتوا، ولم يعرفوا ما أراد منهم في تلك الدار، فكيف ترى حالهم عند سيدهم المنعم عليهم المسدي جليل إحسانه إليهم مع هذا الاهمال العظيم لطاعته، بل الانهماك الفظيع في معصيته؟!
واعلم 1 أن مثال هؤلاء أجمع مثال بيت مظلم باطنه، وضع السراج على سطحه حتى استنار ظاهره، بل مثال بئر الحش 2، ظاهرها جص، وباطنها نتن، أو كقبور الموتى ظاهرها مزينة وباطنها جيفة، وكمثال رجل قصد ضيافة الملك إلى داره فجصص باب داره، وترك المزابل في صدر داره، وذلك غرور واضح جلي. بل أقرب مثال إليه: رجل زرع زرعا فنبت، ونبت معه حشيش يفسده، فأمر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه من أصله، فأخذ يجز رأسه ويقطعه، فلا يزال يقوى أصله